المسلم طاهر ومطهر

يحترم الاسلام الإنسان المسلم ويعتبره طاهراً من كل دنس ومطهراً ما لم يتجاوز حدوده.

طاهر، لان الاسلام مطهر لجسم الكافر ورطوبته المتصلة به من بصاق عرقه ونخامته والوسخ الكائن على بدنه. ولا فرق في الكافر بين الاصلي والمرتد الملي، بل والفطري ايضاً على الأقوى، ومن قبول توبته باطناً وظاهراً.

ومطهر، لأن باسلامه يُطهر تبعيته من الولد الكافر له في الاسلام اباً كان او جداً او أماً او جدة بشرط ان لا يكون الولد مظهراً للكفر، ويٌطهر اسيره اذا كان غير بالغ ولم يكن معه ابوه او جده. هذا من جهة الفقه واقوال الفقهاء، لما ذكره صاحب العروة الوثقى وايده جميع الشراح من الفقهاء العظام ايدهم الله.

ومن جهة اخرى، نرى في الروايات وابواب الفقه الاحاديث الكثيرة التي تعتبر يده امينة وسوقه معترف به ولا يجوز الشك في بيعه وشرائه ما لم يظهر الخلاف.

فللمسلم ان يشتري من سوق المسلمين كل البضائع لطهارة البائع المسلم والاعتماد عليه، بل ولا يسمح له السؤال حول مصدر البضاعة اذا كانت من اللحوم والشحوم والجبن وما شابه ذلك.

ومن الروايات ما ذكره الشيخ الحر العاملي (قدس سره) في كتابه القيم (وسائل الشيعة) والشيخ النوري (قدس ره) في اثره القيم (مستدرك الوسائل) واعتمد كلاهما في موسوعاتهم على المصادر الشيعية والمعتمدة عند الطائفة.

منها ما رواه الصدوق والكليني(رحمهما الله) عن الحلبي، سألت ابا عبد الله(ع) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم انه ميتة بعينه.

وعن اسحاق بن عمار عن العبد الصالح ·موسى بن جعفر(ع) : لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في ارض الاسلام. قال اسحاق: فان كان فيها غير اهل الاسلام؟ قال: اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس.

وفي رواية احمد بن ابي نصر وغيره قال الرضا والصادق والعبد الصالح(عليهم السلام): وليس عليكم المسألة.

وفي رواية اسماعيل بن عيسى قال: سألت ابا الحسن(ع) عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من اسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته (اي ذبحه اكان شرعياً أم لا) اذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ فقال(ع): عليكم انتم ان تسألوا عنه اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك. واذا رأيتم (المسلمين) يصلون فيه فلا تسألوا عنه.

ويفهم منه نقطتان:

الاولى: اشتراك المشركين والمسلمين في اسواق الجبل.

الثانية: طهارة الجلود التي يبيعها المسلم غير الملتزم.

ان قلت: ان المراد بغير العارف اي غير الموالي. قلت: سواء كان المراد غير الملتزم او غير الموالي، فلا شك في طهارة الجلود، ولفظ المسلم قرينة لمعرفته بالمسألة والتزامه بالامور الشرعية.

وفي حديث حماد بن عيسى قال: سمعت ابا عبد الله(ع) يقول: كان ابي يبعث بالدراهم الى السوق فيشتري بها جبناً فيسم ويأكل ولا يسأل عنه.

لا يقال: ربما من يشتري للامام هو عارف بالمحل الذي يشتري منه، ولا يشتريه الا من اهله ومعارفه. لانه يقال: لا قرينة في المقام وكلام الصادق(ع) مطلق يفيد العموم، بل انه في صدد بيان عدم السؤال في اسواق المسلمين لا طهارة الجبن فحسب.

واطلاق رواية الحسن بن فضل الطبرسي عن الصادق(ع): ما جاءك من دباغ اليمن فصل فيه ولا تسأل عنه. وكانت اسواق اليمن اسواق حرة يبيع فيها التجار من بلدان مختلفة والغالب فيها المسلمون.

وفي حديث الصادق(ع) -كما في دعائم الاسلام-: وان كان الجبن مجهولاً لا يعلم من عمله، وبيع في سوق المسلمين، فكله.

لا يقال: ان صح الكلام فهو مختص بذلك الزمان. اذ يقال: لا تخصيص في المقام، وليس الاسلام دين التضييق والتشديد، بل واطلاق قول الصادق والعبد الصالح(عليهما السلام) في حديث ابن ابي نصر يشمل كل زمان ومكان.

قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبنة وفراء، لا يدري اذكية هي ام غير ذكية، ايصلي فيها؟ قال(ع): نعم، ليس عليكم المسألة.

ثم قال(ع): ان ابا جعفر -الباقر-(ع) كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالتهم. ان الدين اوسع من ذلك.

ولو قيل بالتخصيص بالزمان والمكان، لزم القول بتخصيص كل الاحكام الشرعية وبطل العمل بها، وهذا ما لا يذهب اليه احد.

بناءً على ما ذكر نقول:

اولاً: لا يجوز السؤال عن افعال المسلم، اذ يعتبر اسائة اليه.

ثانياً: لا تجوز غيبته، وتهمته.

ثالثاً: ولا مصادرة امواله المنقولة وغيرها بحجج مختلفة.

رابعاً: حرمته غائباً كحرمته حاضراً.

خامساً: حرمته ميتاً كحرمته حياً.

سادساً: لايجوز تحجيمه (سواء كان سياسياً او اقتصادياً او اجتماعياً).

سابعاً: بل ويجب على المسلمين احترام بعضهم لبعض ويجب عليهم تهيئة الاجواء والفرص لغيرهم من المسلمين.

ثامناً: المسلمون سواسية كاسنان المشط.

تاسعاً: لا فضل لعربي على اعجمي، ولا لاسود على ابيض، ولا للحاكم على الشعب، ولا للوالي على غيره. اذ كل يعمل بتكليفه.

عاشراً: ومن اشد المحرمات التشكيك في اموره والفتك في حقه، وكلاهما من فتن هذا الزمان.

اذ يستعمل الشيطان اسلوب الشك ليضع حداً للاعتماد بين المسلمين والتعامل بينهم.. ومن ثم يبني قاعدة عدم الاعتماد في المجتمع الاسلامي، والفتك هو قصد الاساءة الى المسلم، وهذا ما يحصل عادة بمجرد الاختلاف في بعض المعتقدات او الانتماءات او …

ولعله لاجل ذلك قال(ع): ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالتهم، ان الدين اوسع من ذلك.

محمد تقي باقر