محمد تقي باقر

حدد الامام الحسين (ع) في وصيته التاريخية الى اخيه محمد بن الحنفية، الهدف من حركته الاصلاحية، وكان البيان بمثابة أول بيان صادر عن الحركة الثورية، فقال (ع) فيه:

إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص)…

ثم بـيّـن كيفية الوصول الى هذا الهدف المنشود والمليء بالاشواك وقال:

1 – اريد أن آمر بالمعروف.

2 – وانهى عن المنكر.

3 – واسير بسيرة جدي وابي…

وعلى هذه الأسس طلب البيعة من الناس، فقال:

فمن قبلني بقبول الحق… ومن ردّ عليّ هذا، اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم…

فالحركة كانت اصلاحية وغير هادفة الى الوصول الى سلطة دنيوية اولاً، وثانياً: الاسلوب والمنهج المتبع كان (اللاعنف المطلق). فهو (ع) لا يتجاوز في مسلكيته الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما جاء به جده رسول الله (ص) وابيه علي امير المؤمنين (ع) مع انه كان الامام المفترض الطاعة.

 وعليه، نقول:

كان الامام الحسين (ع) رائداً في طرح اللاعنف وبذل جهده وفدى باسرته واصحابه لتطبيق اللاعنف. واليك بعض النماذج:

1 – لتجنب المواجهة:

عندما بدأ هجرته الى العراق التقى بابي هريرة الاسدي وعند استفساره  – ابو هريرة الاسدي – عن سبب خروج الامام، قال (ع):

ان بني امية اخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا ديني فهربت (1).

وفي خطبته في اصحاب الحر ابن يزيد الرياحي حيث قال:

… وإن كان رأيكم الآن على غير ما اتتني به كتبكم، انصرفت عنكم… معذرة اليكم اقدمها الى الله !! (2).

2 – اللاعنف مطلقاً:

وفي (ذي حسم)، قال (ع) لفتيانه: اسقوا القوم (الاعداء) وارووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا.

3 – الاصرار على اللاعنف:

قال علي ابن الطعان المحاربي: كنت مع الـحُر يومئذٍ، فجئت في آخر من جاء من اصحابه، فلما رأى الحسين (ع) ما بي وفرسي من العطش، قال: (أنِخِ الراوية) والرواية عندي السقاء، ثم قال: (يا ابن الأخ، أنِخِ الجمل، فأنخته، فقال: إشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فقال (ع): (إِخنِث السقاء) أي اعطفه، فلم أدر كيف افعل، فقام. فخنثه فشربت وسقيت فرسي (3).

4 – اللاعنف في المعركة:

قال زهير ابن القين (وهو من اصحاب الحسين (ع): إني والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون (من ضعف القوم) إلا أشد مما ترون يا بن رسول الله، ان قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم،…

 

فقال له الحسين (ع) : ما كنت لأبدأهم بالقتال. (4)

5 – والاعراض عن الجاهل:

ولما ورد كتاب ابن زياد الى الحسين (ع) وطلب الرسول الجواب منه (ع) قال:

ما له عندي جواب…

6 – أللا  إكراه مطلقاً:

وكان لا يحب إكراه بعض من رأه في الطريق لينضموا الى معسكره (ع) وأمرهم بالابتعاد عن مكان الواقعة، حتى لا يسمعوا واعية أهل بيت رسول الله (ص) وقال لبعضهم: انت في حِلّ (5).

7 – عدم  السماح لاخيه العباس (ع) بالقتال، وبعثه ورجاله لتحصيل الماء للاطفال والعيال، مع علمه بشجاعته و…

8 – فك البيعة:

قام (ع) فيهم خطيباً في ليلة العاشر من محرم وقال: … ألا وإني قد اذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم حرج منّي ولا ذِمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً (6).

وفي الفتوح(7) : قال (ع): … وليأخذ كل رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من اخوتي وتفرقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فانهم لا يطلبون غيري…

9 – وعن الاهل والاقرباء:

وفي الليلة نفسها عرض الحسين (ع) على اهله واقربائه ومن معه (من الخواص) ان يتفرقوا عنه وقال: انما القوم يطلبونني وقد وجدوني، وما كانت كُـتُبُ من كَـتَبَ اليّ فيما اظن إلا مكيدة لي وتقرباً الى ابن معاوية بي (8).

10 – والبكاء على دخول النار بسببه:

وهذا ما تواتر خبره في الكتب والآثار انه (ع) بكى في آخر ساعة من حياته فقيل له: مم بكاؤك؟ فقال: ابكي لدخول هؤلاء القوم النار بـسببي !!

وكان هذا بعض النماذج من تفاصيل اللاعنف في سيرته الذاتية ومسيرته الى ساحة المعركة، معركة العنف واللاعنف.

وفي يوم العاشر من محرم الحرام كتب الحسين (ع) اللاعنف بدمه وبالخط الأحمر، كي يبقى الى الأبد، ويكون هو المظلوم المنتصر.

                           

                                     27 رجب 1420

 

(1) الخصائص الحسينية: ص 32 ط تبريز.

(2) مقتل الخوارزمي: ج 1 ص 230.

(3) تاريخ الطبري: 3\305 والارشاد: ص 233 وغيرهما.

(4) تاريخ الطبري: 3\309 والارشاد: 226 و…

(5) تاريخ الطبري: ج 3 ص 315 وغيره.

(6) تاريخ الطبري: 3\315، والارشاد: 2212 وغيرها.

(7) الفتوح 5 ص 105 وغيره .

(8) انساب الاشراف: 3 ص 185.