السلام اسم من أسماء الله الحسنى، وفي نفس اللائحة القرآنية بأسماء الله الحسنى نجد أسماء أخرى تشكل بمفهوماتها الأسس التي يبنى عليها السلام وينهض ويستمر ويترسخ، فهو السلام المؤمن… أذن فالأمن شرط السلام ومن دونه ينهار.. والأمن أمن على الروح والجسد معاً على الحريات والثقافة والعقيدة والعواطف والتعبير عن الذات، كما هو أمن على الأرض والعرض والمنزل والحياة والحركة وهو المهيمن، ما يقتضي أن يكون السلام قوياً محمياً بالقوانين وبالعدالة وأن يكون عاماً لا يخترق في مكان ما أو زمان ما وإلا تحول إلى سلام هش يهدمه أو يخترقه من يشاء ساعة يشاء…. خاصة عندما يستشعر القوة على الطرف الآخر.

وهو العزيز… والعزة تنافي الذلة ولا يكون السلام عزيزاً إلا إذا كان جميع أطرافه أعزاء فالسلام إذن يساوي بين القوي والضعيف بالمعايير العادية، يجعل السلام نفسه هو المعيار، من هنا فإن شرط السلام أن يطال من قوة القوي ويرفع من شأن الضعيف حتى يساوي الطرفين ليضمنا السلام، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: «وليملل الذي عليه الحق» أي أن الشأن هو شأن الضعيف أو المستضعف الذي هو المدين في المثال الذي تضربه الآية القرآنية، والا تحول السلام إلى إذعان من الضعيف تجاه القوي وهيمنة من القوى على الضعيف، فينعدم التكافؤ ويصبح السلام مهدداً ومقدمة لصراع اشد شراسة وظلماً.

وعندما يكون الله سلاماً ويكون السلام سلاماً إلهياً مؤمناً قوياً عزيزاً مهيمناً يجب أن يتعدى شكلياته ونصوص اتفاقياته ليبلغ العمق.. خاصة إذا ما كان هذا السلام بين أهل الأديان لان الدين أصلاً شأن داخلي وفي العمق، وله مظاهرة وسلوكيات خارجية تطابقها السلام إذن هو ثقافة السلام وعقيدة السلام.

من هنا السؤال عن السلام الذي يعمل له الآن مع إسرائيل ومدى كونه قابلاً لأن يطابقه نموذج السلام المنشود والملائم لروح الدين والتوحيد. أن السلام الذي لا يلغي حقاً واضحاً. ولا يقر العدوان يمكن أن يكون فيه تنازلات يتنازل طرفاه أو أحد أطرافه عن بعض ما يعتقده أنه حق من حقوقه، يقابله تنازل من الطرف الآخر، ليلتقيا على منطقة مشتركة تحفظ لكل منهما معظم حقه أو البين الواضح من هذا الحق.

في حالنا مع إسرائيل ليس هذا هو المطروح بل تنازل طرف عن معظم حقه مقابل تنازل الطرف الآخر عن نزر قليل مما هو ليس حقاً له.. ومن هنا سوف يكون سلاماً مفروضاً وملغوماً، تمليه لحظة ضعف في أحد الطرفين وعلى هذه فهو لن يدوم، لان السلام والجور لا يتعايشان، والضعف في أحد الأطراف ليس مطلقاً انه يمر في لحظة ضعف لن تدوم، كما أن القوة المنفلتة من عقالها لن تدوم.

أن أفضل الطرق المؤدية للسلام مع اليهود هي أن يعودوا إلى يهوديتهم، إلى التوحيد الإبـراهيمي الذي يشكل أرضية مشتركة للسلام الحقيقي.

وطالما أن الصهيونية هي المهيمنة فسوف يظلون مقطوعين عن دينهم وتوحيدهم منفصلين عن أهل الدين والتوحيد وسيبقى منطق القوى هو الذي يهيمن على عقلهم ليدمرهم في النهاية.

هذا لا يعني أن السلام مستتب دائماً بين أهل الأديان الأخرى ولكن الحروب التي حدثت بينهم والتي تحدث إنما تأتي من عوامل أخرى خارجة عن العقيدة وان كانت تلتبس بها أحياناً ويبقى أهل الإيمان والوعي والسلام من المسلمين والمسيحيين يقظين ليصححوا المسيرة والمسار وليعالجوا بالتسامح والنسيان فترات سوداء من التاريخ ليعودوا معاً فيصنعوا مجد الإنسان بالسلم والسلام والنزوع الدائم إلى هذا السلام.

أن السلام أعمق بكثير مما يحدث بين الدول والجماعات التي تتصارع على نصاب سياسي أو اقتصادي أو عصبي عرقي أو أنثى. أن ما يحدث هو صلح والسلام ابعد وأرسخ وأعمق.

من هنا تتعرض الاتفاقات الصلحية والمصالحات إلى النقض عندما تتبدل موازين القوى، ولكن السلام الراسخ القائم على الأفكار والقيم الإيمانية وعلى ثقافة السلام.. لا يتأثر بتغير موازين القوى ومعادلاتها لأنه مسؤولية حضارية ودينية ابعد من كل المصالح المألوفة وهو المصلحة الأولى ويتضمن كل المصالح الأخرى.

إذاً فالله هو السلام.. وتحية الإسلام هي السلام، هي المدخل إلى عقل الآخر وقلبه ووجدانه وهي المفتاح إلى الحوار على أمن وطمأنينة، وهي الأداة التي يتم بها توسيع المساحة المشتركة بين المسلم والمسلم وبين المسلم والمواطن الآخر، بين الإنسان المسلم وبين الإنسان، وهي الأزميل اللطيف الذي به تحفر الزوايا ــ حدود الاختلاف ــ ليتم تدويرها وتلطيفها وجعلها في حدود ما تقتضيه ضرورات الحياة والفعل والحركة والإبداع.

وهو السلام.. السلام على الرسول وآله.. والسلام على الجميع، بشراً ملائكة والسلام على الذات، هو ختام المسلم.. وكأنه وعد وعهد بالمسالمة، وكأنه ناتج وثمرة من ثمرات الصلاة، كأن الصلاة تتحول إلى مجرد حركات من دون أن تفضي إلى السلام وأن تصب في السلام.

السلام تحية أهل الجنة: «تحيتهم فيها سلام» (إبـراهيم 23) (يونس 10) والتحية حياة فلا حياة بلا سلام.

والسلام مغفرة للذنب: «ان من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام» الرسول محمد (ص).

وكما أن الفرد يحتاج إلى مغفرة ذنبه بالسلام على الفرد الآخر أو الجماعة، فإن الشعوب والجماعات والأمم تحتاج إلى مغفرة ذنوبها بالسلام.

والسلام كرم وكرامة: «ان أبخل الناس من بخل بالسلام» الرسول (ص)

والسلام مفتاح الحوار ودليل جديته وسلامته: «السلام قبل الكلام» الإمام الصادق (ع).

والسلام بـركة ونعمة: (أفشٍ السلام يكثر خير بنيك) الرسول (ص)

والسلام ليس مشروعاً حصرياً بل هو أخلاق إنسانية ومشروع إنساني عام الا أخبـركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟

قالوا بلى يا رسول الله فقال: «إفشاء السلام في العالم».

والسلام عرض يجب قبوله: «السلام تطوع والرد فريضة» الرسول (ص).

«وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» (الأنفال 61).

إذا عرض الطرف الآخر السلم ومال إليه فيجب أن تميل معه وتقبل العرض. والدليل على جنوح الآخر للسلم أن يكون على أساس العدل.. فإن لم يكن عدل فلا يجب القبول بل يجب الرفض، لأن السلم حينئذ هو مشروع آخر للحرب والظلم.

ومن هنا فإن الصلح جائز إلا صلح أحل حرام أو حرم حلالاً، والوطن والأرض والمنزل وحق تقرير المصير لها حلال لا يجوز تحريمه على أهلها.  

لسيد هاني فحص