(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) البقرة / 6 – 7.

تختص الآية الكريمة بموضوع المنهج الذي اتبعه الاسلام لانتشار دعوته.

لقد اتبع القرآن الكريم منهجاً خاصاً في تبليغه للاحكام الالهية الاسلامية، وهذا المنهج بعيد عن المناهج الانسانية التي يطغى عليها – عادة – طابع الاكراه في ايصال المبادىء الى الآخرين في حالة امتلاك القدرة على الاكراه، وطابع التوسل بكل السبل الممكنة لاقناع الآخرين بهذه المبادىء – سواء كانت تلك السبل شريفة ام غيرها – وذلك حين يفتقد اصحاب تلك المبادىء للقوة اللازمة لفرض مبادئهم.

ان هذا المنهج فيه الكثير مما يستحق التوقف عنده والتأمل فيه.

فهو أولاً يحتوي احتراماً لعقل الانسان ومؤهلاته، كما ان فيه ايحاءً للانسان بوجوب الاعتداد بعقله، وجعله الميزان الذي يحكم وفقه على الامور.

ان هذا التقدير لدور العقل، إنما نستوحيه من الجو الذي تدور فيه الآية الكريمة، فهي تأمر الرسول بان يخلي بين الانسان وبين عقله – الذي تميز به عن بقية مخلوقات الله تعالى – لتكون النتائج المترتبة على مواقفهم فيما بعد من زرع ايديهم.

ثم ان الآية تقضي بان لا يؤاخذ الانسان على موقفه من الدعوة الاسلامية فيما لو كان مضاداً ولا يكره على التعامل مع مبادىء الاسلام بايجابية، فوظيفة الرسول تقتصر على ابلاغ الاحكام الالهية الى الناس، فقط، اما الباقي فهو يقع على عاتقهم، إما ان يؤمنوا بها او لا. فاذا آمنوا كان بها وإلا فهم أحرار على ان لا يكونوا حائلاً بين الناس وبين سماعهم للمبادىء الاسلامية، فكما ان لهذا الصاد عن سبيل الله حق في ان تصل اليه مبادىء الاسلام فان لغيره الحق نفسه فلماذا يمنع غيره من حق تممتع به هو ولكن لم ينتفع به؟

وهناك امر آخر يتعلق بنسبة الختم الى الله تعالى، فاذا كان من ختم على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم هو الله تعالى فلماذا يعذبهم يوم القيامة مع انه كان السبب في عدم هدايتهم بفعل الختم الذي جعله لهم؟

ان هذا الختم ونسبته الى الله تعالى انما هو امر مجازي لا حقيقي، اذ يعبر الله سبحانه وتعالى عنهم بوجود ختم على الاسماع والابصار والقلوب في حين انه لا ختم حقيقي في المقام بل على العكس من ذلك، فعبر الله تعالى عن حالة اعراضهم بانها تشبه الحالة التكوينية الخلقية التي مؤداها وجود ختم على الحواس المذكورة.

ثم ان من يضع اصابعه في اذنيه لئلا يسمع شيئاً في الحياة، هل يعني ان في اذنيه قصور في عدم سماعها تغريد العصافير صباحاً؟

وهل هناك قصور في البصر فيما لو وضع الانسان كفيه عليهما فيما لو لم تستفيدا من النور؟

اذن فالآية الكريمة مما يخص الدعوة الى الاسلام ولكن أية دعوة؟ انها الدعوة اللاعنفية.

الناس على دين ملوكهم (4)