لقد شغلت مسألة التربية حيزاً كبيراُ بين المبادىء التي جاء بها الدين الاسلامي، وأقام عليها أحكامه فالمتتبع للدين الاسلامي منذ صدر الرسالة، والى العهد الذي انقطع فيه الوحي يجد تأكيداً عجيباً من جانب هذا الدين على مسألة تربية الانسان ظهرت نتائجه في الفضائل التي كان يتمتع بها المسلمون، والايثار، والاستقرار النفسي في ظل اقسى الظروف التي يمكن ان يواجهها الانسان المسلم.

ونظراً لما تتمتع به الاسرة من الاهمية، وللدور التربوي الكبير الذي تضطلع به في المجتمع، ولما لها من بالغ الاثر في سلوك الانسان نجد الدين الاسلامي اولى هذه المؤسسة عناية فائقة بدأت مراحلها من لدن كون هذه الاسرة مشروعاً في ذهن من يروم تكوينها الى صيرورتها كياناً قائماً منظم اوضاع الاسرة في جميع هذه المراحل.

وحيث ان المرأة تشكل العنصر الفعال في الأسرة لما لها من كبير الاثر في مسيرة الاطفال وسلوكياتهم، تناول الاسلام موضوعها بفائق العناية فأكد على ضرورة تربية الفتاة التربية الصحيحة باعتبارها ام المستقبل، وعلى عاتقها تقع المسؤولية الاكبر في تهيئة النشيء لخدمة المجتمع.

وموضوع تربية الفتاة في الاسلام من المواضيع الواسعة التي ليس بالمستطاع الاحاطة بها في حدود هذه السطور وعليه ارتأينا الاختصار قدر الامكان.

 واقع المرأة في مجتمعنا.

لقد كرم الدين الاسلامي الانسان عموماً فقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى:

(لقد كرمنا بني آدم) ([1]).

كما كرم المرأة خصوصاً وايما تكريم فلم يعلق الدين الاسلامي في عنق المرأة من الواجبات في حالة كونها في بيت زوجها غير مسألة حاجة الرجل الخاصة التي يتوجب عليها تمكينه منها، وإلا فبقية الامور مما تفعلها المرأة في بيتها لا يخرج عن كونه مستحباً، او مناقشاً في كونه واجباً ام مستحباً والاكثر يميل في ذلك الى استحبابه.

ولكن اين هي مظاهر تكريم الاسلام للمرأة في مجتمعنا؟

لقد انتهت مرحلة التكريم بابتداء الانحراف الذي دخل على الشريعة الاسلامية فعادت المرأة خادمة في بيت زوجها، ودام الحال كذلك حتى عصر النهضة الاوربية، حيث شيوع مبادىء الحرية والعدل والمساواة، وهنا برز تيار فكري كان قد تأثر بمبادىء النهضة الاوربية فنادى هذا التيار «بالتجديد اللغوي والديني، وبالنهوض القومي، وفي المجال الذي يهمنا هنا، نادوا بموقف جديد من المرأة، فطالبوا برفع الحيف عنها. بعد ان تردت احوالها وتخلفت وانحطت لدرجة زادت كثيراً من انحطاط المجتمع، وفقدت أي مساهمة جدية في حركة المجتمع وصيانته، ومستقبل الامة ومصيرها، وانعزلت وانزوت في بيت الحريم وكانها شيء من اشيائه([2]).

ولكن هل كان لهذا التيار دوره في تربية المرأة بما يتناسب مع مبادىء الدين الاسلامي الذي بلغ الذرورة في تكريم المرأة؟

الامر على العكس من ذلك تماماً فهذا التيار في غالبيته كان قد تنكر لمبادىء الدين الاسلامي وكان هذا الدين هو السبب في اضطهاد المرأة وسلب حقوقها، فاستعاروا الاطار الغربي واطروا به المرأة في بعض مجتمعاتنا تحت غطاء تحرر المرأة غطاء تحرر المرأة بعيداً عن مظاهر عفتها وطهرها.

من هنا صار واقع المرأة العام في مجتمعنا يتمثل في فئتين لا ثالث لهما عموماً هما:

1 – فئة المرأة المضطهدة التي تفتقتد ابسط حقوقها.

2 – فئة المرأة التي انسلخت من أنوثتها.

ونحن اذ نقول ان هاتين الفئتين لا ثالث لهما لا تعني بذلك الغاء تلك المجموعة من النساء اللواتي لا زلن يتمسكن بمبادىء الدين الاسلامي الذي يوفر لهن الكرامة والحصانة ضد الاخطار الاجتماعية، ولكن هذه الفئة تمثل قلة لا ترقى الى منافسة الفئتينالسابقتين الذكر.

 1 – نشوء جيل متهور من الفتيات هدرت قابلياته وهذا يرتكز في المجتمعات المتخلفة عادة.

2 – نشوء جيل آخر متنكر لدينه ومبادئه هدرت اخلاقياته نتيجة تثبته بمبادىء الغرب.

ان المجتمع الذي يريد لفتياته النشوء الصحيح يجب ان يضع نصب عينيه عدم التفرقة بين الجنسين في التعامل ومنذ الطفولة التي تعتبر المرحلة الحساسة في نشوء معالم الشخصية.

«يجب ان يلاحظ بالنسبة الى الطفل عدم ترجيح غيره عليه، فاذا كان له طفلان ساوى بينهما، وان لم يساو، اورث تعقيدا بالنسبة الى كليهما، سواءاً المرجح، او المرجح عليه، ولو كان احدهما اذكى او اكثر عملا او ما اشبه لزم ان يكون التشويق في غيبة الآخر، حتى لا يوجب للمرجح دلالاً، وللمرجح عليه حقداً وعقد»([3]).

ولكن السائد في مجتمعاتنا وهذا مما يؤسف له على العكس من هذا تماماً فمساويء الفتى محاسن، ومحاسن الفتاة لا تساوي شيئاً يجدر الاهتمام في حين ورد في اثر:

البنات حسنات والاولاد نعمة فالنعمة محاسب عليها والحسنات مثاب عليها.

  • تقسيم المنهج الاسلامي في التربية.

بعد ان قلنا بان المنهج يقوم على اساس المساواة والاعتدال في التربية بغض النظر عن جنس الطفل، ارتأينا للتسهيل ان نقسم مسألة تربية الفتاة في الاسلام الى مرحلتين هما:

1 – مرحلة ما قبل تكوين الاسرة أي المرحلة التي تكون الاسرة فيها مشروعاً يراد تأسيسه.

2 – مرحلة ما بعد التأمين وهي المرحلة التي تكون فيها الاسرة كياناً قائماً.

* مرحلة ما قبل التأسيس:

قد يستغرب القارىء الكريم لأول وهلة من هذا العنوان، وما هي العلاقة بينه وبين موضوع البحث والذي يتناول تربية الفتاة في الاسلام، حيث ان هذه المرحلة لا تعدو نطاق التفكير فلا اسرة ولا فتاة وبالتالي يعتبر المسألة سالبة بانتفاء الموضوع، وهذا التفكير يمكن ان يشغل بال من لم يكن لديه خبرة في مجال التربية الاسلامية وهو محقق في هذا طبعاً ولكن من يطلع على منهج التربية في الدين الاسلامي، والاهتمام الذي اولاه هذا الدين بالأسرة فانه لا يستغرب من إثارة عنوان كهذا. فالدين الاسلامي، – وانطلاقاً من أهمية الاسرة في تقديم اللبنات الصالحة للمجتمع – رسم لنا خطوط منهجه في التربية منذ الوقت الذي تكون الاسرة فيه فكرة في ذهن الرجل يحاول انزالها الى حيز الواقع الفعلي.

فلم يغفل الاسلام المهد الذي تتقلب فيه الفتاة، واثر هذا المهد في نشأتها، وسلوكها، وتكوين شخصيتها لذلك غيره يحث الرجل والمرأة بان يختار كل منهما جزءه الآخر الذي يشكل معه مهداً صالحاً يمكن للفتاة انتعيش في كنفه آمنة مطمئنة، بحيث يأمل المجتمع من ذلك المهد ان يعطيه الفتاة الصالحة القادرة على تحمل اعباء مسؤولياتها في الحياة الاجتماعية، وكأم في المستقبل، فما هي تلك الخطوط التي رسم لنا الاسلام معالمها في هذه المرحلة؟

* التدابير الاحترازية.

ويعنى، بالتدابير الاحترازية – كما يصطلح عليها في العلوم الحديثة – ما يلزم الاسلام به الانسان المسلم من الشروط لضمان تكوين اسرة صالحة، وهذه التدابير لم تكن التشريعات الوضعية قد وضعتها في حسبانها، وذلك انها تعتبر أموراً كهذه أموراً شخصية لا تدخل في صميم اختصاص القانون وانما يرجع امر تدبيرها للاشخاص المعنيين بها ذاتهم.

والامور الاحترازية تتمثل في قضية الاختيار المناسب بالنسبة لمن يروم تكوين الاسرة وهذا الامر لا ينظر اليه من جانب الرجل فقط، وانما من جانب المرأة كذلك فالاختيار الانسب تقع مسؤوليته على عاتق الطرفين.

والاختيار المناسب لا يشمل جانباً واحداً ويهمل الجوانب الاخرى في الشخص المنتخب وانما عمل الاسلام موازنة في ذلك، فلا يجب التأكيد على جانب الجمال – مثلاً – على حساب الجوانب الاخرى من الدين والنسب وغيرها. ولكن ما هو سر التأكيد على الاختيار المناسب؟

ان الدين الاسلامي وقبل اكثر من اربعة عشر قرنا كان قد اشار من خلال تأكيده على هذا الامر الى دور الوراثة في تكوين شخصية الطفل بصورة عامة سواءاً أكان ذكراً ام انثى.

لقد وردت الاشارة عن رسول الله (ص) حول هذا الموضوع في قوله:

(تخيروا لنطفكم فان العرق وساس)

وكذلك قوله (ص):

(اياكم وخضراء الدمن، وقيل: ما خضراء الدمن يا رسول الله، قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء).

* مرحلة ما بعد التأسيس:

اما مرحلة ما بعد التأسيس الاسرة فقبل الخوض فيها لا بد من التعرض للمناهج التي تتبع عادة في التربية، فقد ذكر العلماء بان هناك منهجين للتربية هما:

1 – المنهج القديم: وهذا المنهج يقوم على تدريب العقل على السير على وتيرة واحدة في طريق بناء حياته، فيعتمد هذا المنهج على التلقي والالتقاط من المعلم والمربي كما يلتقط جهاز التسجيل الصوت فينزله على الشريط ويعيده لاحقاً كما هو دون زيادة او نقص. «كان وضعهم تماماً كآلة التسجيل»([4]).

2 – المنهج الحديث: وهذا المنهج يقوم على اعمال العقل بالنسبة للمتلقي، وتحريك الذهن كي يكون قادراً على استيعاب متطورات الحياة لاحقاً فيواجهها بالطرق المناسبة.

بعد هذه المقدمة لا يشك عاقل في ان التربية يجب ان تقوم على اساس النظام والمنهج الثاني، بعد هذا نقول بان هناك مراحل ثلاث تمر بها الفتاة، بل وكل انسان، وكل مرحلة من هذه المراحل لها ما يناسبها من لوازم التربية وأدواتها وهذه المراحل هي:

1 – مرحلة الطفولة: وتبدأ من الفترة التي تبدأ مدارك الطفل فيها بالتفتق، وذلك من خلال ادراكه، وانفعالاته بما حوله، وقد حدد علماء النفس بداية هذه الفترة ببلوغ الطفل شهرين. وتمتد هذه الفترة حتى مرحلة الصبا.

2 –   مرحلة الصبا: وهي المرحلة التي يبدأ الطفل فيها بالتمييز وتنتهي بالمراهقة.

3 – مرحلة المراهقة: وتمتد هذه الفترة من انتهاء فترة الصبا الى البلوغ.

مرحلة الطفولة:

بما ان هذه المرحلة تفتقر الى التمييز بنسبة كبيرة، ونظراً لكون طول «فترة الطفولة عند الانسان يرتبط بموضوع التربية والتعليم»([5]) لزم ايلاء هذه المرحلة من حياة الانسان، والفتاة موضوع بحثنا عناية خاصة وعلى جانبين: جانب الجسم (البناء الجسدي)، وجانب الروح.

وللأم في هذه المرحلة دور هام جداً، وذلك ان الطفلة تكون في هذه المرحلة لصيقة بالام في اكثر الاوقات.

خلاصة القول هي ان هذه المرحلة تعد مرحلة بناء الطفل – ذكراً ام انثى – على الجانبين المادي والروحي, فيجب ان يهتم الاهل بالتغذية السليمة للطفل فان «النمو الطبيعي والاعتيادي لجسم الطفل يكون نتيجة التغذية السليمة»([6]).

كذلك يجب الاهتمام بالبناء الروحي للطفل اذ ان «النمو الكامل لروح الطفل يخضع ايضا لاسلوب التغذية التربوية الصحيحة والتنمية النفسية السليمة([7]).

اذن يجب عدم التفريط في تغذية الطفل في الجانبين فان له جسيم الخطر. ففي التفريط في التغذية المادية يتحول الانسان الى حيوان مفترس لا غرض له سوى ملء البطن، ومع الجوع الروحي يفقد الانسان انسانيته.

* مرحلة الصبا.

اما هذه  المرحلة فنظراً لوجود التمييز فيها فانها المرحلة التي يجب التركيز خلالها على بناء شخصية الصبي، او الصبية، فيجب ان يشعر بشخصيته وأهميته بالنسبة الى الاسرة التي يعيش فيها، كما يجب ان لا يجعل منه يحس بعقدة الحقارة من خلال اهماله، ولا بد من التركيز في هذه المرحلة في طرح القدرة الصالحة بالنسبة للصبية او الصبي.

فالبنسبة للصبية يجب ان تطرح النساء الصالحات كقدوة حسنة يمكن ان تجعلها الصبية مقياساً لسلوكها كفاطمة الزهراء (س) سيدة نساء العالمين وغيرها.

كما يجب ان يوجه نظر الصبية في هذه المرحلة الى أهمية بعض الممارسات الاسلامية، كمسألة الحجاب والعفة، والصلاة، وغيرها من الاحكام والتعاليم وذلك لتظل راسخة في فكر الفتاة مدى حياتها وتنقش في ذهنها كما ينقش على الحجر.

* مرحلة المراهقة:

ان هذه المرحلة هي المرحلة الاخطر في حياة الانسان من ذكر أو أنثى ويمكن تعريف مرحلة المراهقة بأنها:

«المرحلة النمائية الثالثة التي يمر بها الانسان في حياته من الطفولة الى الشيخوخة، وهي تتوسط بين الصبا والشباب، وتتميز بالنمو السريع في جميع اتجاهات النمو البدني والنفسي والعقلي والاجتماعي»([8]).

تأتي حساسية هذه المرحلة بالنسبة للمراهقة في ان المراهقة او المراهق كل يعتبر نفسه انساناً بالغاً فينطلق في سلوكه وتصرفاته من منطلق كونه انساناً بالغاً مستقلاً، بحيث لا يقبل توجيهاً من احد باعتبار ان تصرفاته ناضجة – كما يظن – غافلاً عن مسألة عدم نضوجه الكامل.

لذا يتعين على الآباء التصرف مع المراهقة بحساسية وحذر شديدين، وذلك ان الاخلال بطريقة التعالم ستقود حتما الى ما لا يحمد عقباه من النتائج.

فاذا كان لا بد في موضوع معين من المراقبة لسلوك الفتاة – على سبيل المثال – فلا يجب ان تشعر الفتاة بانها مراقبة بشكل من الاشكال.

ثم انه يجب عدم الاصطدام مع الفتاة المراهقة فيما تعتقد هي بصحته من تصرفاتها، لان الاصطدام سيقود بما لا شك فيه الى التزمت والتمسك بما تعتقد بصحته، وقد ترتب سلوكها عليها، لذا يجب النقاش الهادىء بعد التقديم بما يشعر المراهقة بأهميتها وأهمية رأيها.

علاوة على ذلك لا يجب الضغط الشديد في بعض الامور فان الضغط قد يولد الانفجار وعندها تكون الكارثة.

هذه بعض معالم التربية ذكرناها بصورة موجزة مجملة بما يناسب المقام، والا فالموضوع يحتاج في الحقيقة الى العديد من المقالات كي يمكن اعطاؤه نصيبه من البحث.