يحلو للبعض من الكتاب والمفكرين المعاصرين أن ينسب الديمقراطية إلى الدين الإسلامي وذلك في الحقيقة لم يكن إلا بدافع الحرص على الدين الحنيف، والحب الذي يحمله هذا البعض، والسعي الحثيث لإظهار صورة ناصعة للإسلام تزال تلك الغشاوة التي وضعها الإعلام المعادي للإسلام على أعين الناس كي لا تهفوا قلوبهم نحوه فيهرعون إلى تبني أحكامه واعتناقه. ولذا وبوحي من هذه الدوافع النبيلة تجد هذا البعض يحاول أن يستعير الديمقراطية ليضع منها إطاراً يؤطر به الدين الحق.

ولكن هل يمكن أن ننسب الديمقراطية إلى الدين الإسلامي أو قل إلى الأديان بصورة عامة، أو أن نؤطر الأديان بصورة عامة، والدين الإسلامي بصورة خاصة بإطار الديمقراطية أم لا يمكننا ذلك؟

إن الديمقراطية كما هو معروف نظام للحكم مأخوذ من الأنظمة الغربية ومستعار منها وهو يعني بصورة إجمالية حكم الشعب وبما أن الشعب لم يكن يتسنى له مباشرة الحكم بنفسه مع كثرة عدد أفراد الشعب. فيستحيل مباشرة الحكم بنفسه لذا فهو بمقتضى سلطته وامتلاكه للسلطة والحكم يفوض أفراداً ممن يرى فيهم أهلية ممارسة الحكم ومباشرته لينوبوا منابه في إدارة السلطة في الدولة وهذا يعني باختصار أن السلطة هنا هي مستمدة في الواقع من الشعب.

إن طبيعة النظام الديمقراطي هذه تختلف مع طبيعة الأديان وتتنافى معها قطعاً.

فطبيعة الأديان هي أن الإنسان يتلقى الأحكام الصادرة من اللـه ـ الذي لا يكلف الإنسان إلا ما يعود بالنفع له بالأساس ـ من دون أن يناقش فيها وذلك بمقتضى الاعتقاد بعدالة صاحب الرسالة السماوية ألا وهو اللـه الحكيم الغني العليم. وهذا يعني أن جميع أن جميع شؤون الإنسان ـ بمقتضى الدين ـ هي من تخطيط إلاله بما فيها نظام الحكم الذي يعد أمراً أخروياً أيضاَ ولذا لا تدخل للإنسان في رسم معالمه أيضاً وإنما يكون الذي يتولى نظام الحكم منفذاً للأحكام الإلهية.

بناءاً على ما تقدم تبين أمامنا بأن طبيعة الديمقراطية تختلف عن طبيعة الأديان. فالسلطة في الأديان مصدرها اللـه تعالى وهي تعد من الأمور ذات الجنبتين الدنيوية والأخروية معاً. أما الديمقراطية فإن السلطة فيها كما هو معروف مستمدة من الشعب وتعد السلطة بمقتضى النظام الديمقراطي أمر دنيوي بحت لا صبغة إلهية فيه.

ولذا لا يمكن أن تحمل الديمقراطية على الدين ولا أن تنسب إليه وذلك للتنافي الذي يجعل من الحمل والنسبة باطلين.

ثم أنه وعلى فرض أن مسألة السلطة في الدين الإسلامي ـ على سبيل المثال ـ هي مسألة دنيوية بحتة عند الأغلبية من المسلمين مستوحين دليل ذلك من واقع الخلافة الراشدة، والتي من خلالها يتبين أن مصدر السلطة هو الشعب وهو صاحب حق الاختيار في انتخاب من يريد واستبعاد من لا يريد، والذي تجسد ذلك في انتخاب الخليفة الأول أبو بكر الصديق، نقول إذا كان الأمر كذلك، وإن السلطة تستمد شرعيتها من الشعب فلماذا ـ على فرض صحة هذا الإدعاء ـ لم يلتزم به الخليفة الأول نفسه حين كان على مشارف الموت وذلك بنصه على الخليفة عمر بن الخطاب كخليفة له؟

ثم أنه لو كان الأمر بالنص فلماذا يخالف الخليفة الثاني النص فيضع أمر اختيار الخليفة الثالث بيد ستة نفر من الصحابة فقط، فلا هو التزم بالطريقة التي التُزِم بها في تعيين الخليفة الأول حيث قيل بأن الأمر موكول إلى الشعب فهو الذي يحدد من يريد، ولا هو التزم بطريقة تعيينه هو وذلك عن طريق النص فاختار طريقاً لا إلى هذا ولا إلى ذاك

إذن وبناءاً على ما تقدم من التذبذب الذي نجده في مسألة أساس السلطة عند هذه الشريحة العظمى من المسلمين لا يمكن أن نطمئن إلى صحة واحدة منها وذلك لورود الاشكالات عليها. والترجيح بناءاً عليه يكون بلا مرجح.

إذن وبناءاً على ما نرى من كون السلطة تستمد شرعيتها من اللـه، وإنها منصب إلهي، وبناءاً على كون السلطة في النظام الديمقراطي. تستمد شرعيتها من الشعب نقول:

إنه من غير الممكن نسبة الديمقراطية إلى الأديان وذلك لاختلاف طبيعة كل منهما في نظرته إلى السلطة.