لقد شكلت مسألة الحجاب ـ في الآونة الأخيرة ـ موضوعاً أساسياً للترامي بين كل من الحركات العلمانية والبعض من الحركات الإسلامية حتى خرجت المسألة عن إطارها الطبيعي لتشكل أشبه بحرب سجال بين كل من التيارين. ذلك الذي دفع بعضاً من المحللين ـ في محاولة منه لتقييم الأمر ـ إلى أن ينقل القضية من هذا الإطار القائم ليؤطرها بإطار سياسي بحت حيث يقول في ذلك

«وتحولت القضية إلى ساحة حرب، ومعركة يحاول كل طرف فيها الانتصار على الآخر، حتى بات واضحا، أننا بصدد لحظة نحصي فيها المحجبات، والمنقبات، والسافرات حتى نعرف حجم كل تيار سياسي»

إن إطلاق الكلام هنا يخرج القضية التي تشكل بالنسبة إلى كثير من الناس قضية عبادية فيها تأدية لفرض من الفروض التي فرضها اللـه تعالى على المرأة ـ أعني بها قضية الحجاب ـ من هذا الإطار، ليسٍّيسها في حين لم تكن القضية تحتمل هذا التسييس قطعاً عند هذه الشريحة الواسعة من الناس.

فالتمسك بهذا الإطلاق يعني نسبة الحزبية إلى كل من ترتدي الحجاب وأن كانت تلك المحجبة لم تكن تعرف من الحزبية والسياسة مقدار الألف من الباء، وهو ما لا يمكن لعاقل أن يتصوره أبداً.

إذن فالمسألة إذا كانت قد اتخذت طابع الحرب فليس ذلك يعني بأن الحرب هي بين الأمة ـ ذات الهوية الإسلامية ـ والتيارات العلمانية، ولكن الحرب المفترضة هي بين التيارات العلمانية وشريحة من التيارات الإسلامية لا تشكل مجموع الأمة بأكملها.

الخلاصة إن كان هناك صراع وحرب فليست تلك الحرب دائرة بين الشريحة الواسعة التي تمثل الحجاب، والأخرى التي تحاول قدر إمكانها توجيه أنظار المجتمع ـ أن لم نقل تستخدم الضغط كما هو حاصل في بعض الدول ـ نحو مزاعم لا أساس لها من الصحة ملقية اللوم فيها على للحجاب من قبيل التناسب الطردي الموجود بين الحجاب والتخلف والذي يفترض التخلص منه عن طريق إلقاء هذا القيد ـ الحجاب ـ الذي يعد أصلب من الفولاذ على قلوبهم عن رأس المرأة كي يتحرر عقلها من نيره وأسره.

بل وحتى تلك الحركات الإسلامية التي تستخدم الحرب من خلال الحجاب فليس علينا أن نشير إليها بأصابع الاتهام في كونها تحاول دعم توجهها سياسياً من خلال زيادة عدد المحجبات.

فنحن وبدلاً من أن نتهمها في النيات التي لا يعلم بها إلا اللـه علينا أن نفهم بأنها تحاول إيجاد الهوية التي نراها كل يوم تتمزق حتى صرنا نخشى عليها من الاندثار، وبأنها تحاول الدفاع عن تلك الهوية الأصيلة لمجتمعنا الإسلامي ضد كل من يحاول تشويه صورتها الحقيقية من خلال إلقاء تبعات الفشل الذي منيت به دولنا عن اللحوق بـركب العالم على عاتق الحجاب.