لندن: كمال قبيسي

الشرق الاوسط

منذ 308 سنوات غرقت سفينة بحرية بريطانية في موقع من مياه الجنوب الاسباني، يقال إن فاتح الأندلس وحارق السفن الشهير، طارق بن زياد، ألقى فيه خطبة بجنوده منذ 1290 سنة، بعد أن وصل الى ساحل جبل عرف باسمه فيما بعد، ليبلغهم وقد أشعل النار بأسطول حملهم الى هناك من بر المغرب القريب، أن البحر وراءهم والعدو أمامهم ولا مفر. مع بقايا تلك السفينة التي ابتلعتها مياه ذلك الموقع تماما، كان يغفو طوال أكثر من 3 قرون، وعلى عمق 800 متر تحت مياه المتوسط عند ساحل جبل طارق، أكبر كنز في التاريخ، قيمته تزيد الآن على ربع الانتاج القومي لدولة كلبنان، أي تقريبا 5 مليارات دولار قيمة مليون سبيكة فضة وذهب، غرقت مع «ساسّيكس» الحربية البريطانية بفعل أنواء عاصفة أطاحتها نحو الأعماق وعليها 80 مدفعا و500 بحار، لم ينج منهم الا بحاران. ولم يكن البحاران سوى شاهد عيان وحيد على ما حدث عام 1694 مع «ساسّيكس» حين واجهت الأنواء العاتية حال وصولها الى الموقع، وهي مبحرة من بريطانيا الى الجنوب الفرنسي، لتختفي بعدها في الأعماق بكنز، ظل يسيل لعاب الصائدين للثروات التائهة في البر والبحر كحكايات الأساطير، الى أن كشفت شركة أميركية، مركزها في مدينة تامبا، بولاية فلوريدا، عن عثورها يوم الجمعة الماضي على بقاياها، وهي غارقة تحت الماء. وتقول الحكايات عن «ساسّيكس» إن البحرية البريطانية أرسلتها بحمولتها الذهبية والفضية لشراء ولاء دوق سافوي، القائد ذلك الوقت لحركة انفصال بالجنوب الفرنسي ضد الملك لويس السادس عشر، أو «ملك الشمس» الذي اعتاد التحايل على قصر قامته بانتعال حذاء بكعب عال، يجعله أمام الآخرين طويل القامة، بحيث يعزز ما كان يقوله عن نفسه من إنه أحد المختارين من الله لقيادة العالم، عبر فرنسا التي جعل منها قوة في البر والبحر كادت تسيطر على دول الجوار، ومنها بريطانيا القلقة على أساطيلها وسفنها البحرية المتطورة، وأهمها «ساسّيكس» القادرة ذلك الوقت على نقل ألف بحار. الا أن التاريخ تغير مع غرق السفينة، التي توجه البحاران الناجيان بعد غرقها ليبلغا ممثل بريطانيا في مرفأ «ليفورنو» الفرنسي بسافوي آنذاك، فبكى الدبلوماسي وقام سريعا بابلاغ التفاصيل التي سمعها منهما الى العاهل البريطاني، الملك وليام الثالث، فدمعت عيناه بدوره، وحزن أشد الحزن على فقدانها بما عليها «ومن وقتها والسفينة أكبر طريدة لصائدي الكنوز»، وفق ما ورد عنها في صفحة على الانترنت خصصتها الشركة الأميركية للاكتشاف الكبير. وتقول شركة «أوديسيه مارين اكسبلوريشن» في موقعها ان اكتشاف خبرائها للسفينة، جاء بعد مباحثات سرية مع البحرية البريطانية، استمرت منذ بدء الشركة بالبحث عن السفينة عام 1998 مستثمرة الى الآن أكثر من 3 ملايين دولار. وكانت «الشرق الأوسط» قد اتصلت عبر الهاتف في اليومين الماضيين بقيّمين على الشركة المصطادة للكنوز في مدينة تامبا، ممن قال أحدهم، وهو ويليام باركنز، إن انجاز الشركة «هو نتيجة عمل متعب في بعثة سرية لخبرائها، ظلوا يعملون طي الكتمان بتكليف من البحرية البريطانية التي يعود اليها بموجب القانون ما سيتم العثور عليه بين حطام «ساسّيكس» الغارقة هناك منذ 3 قرون» على حد تعبيره. وقال باركنز إن أرشيف البحرية البريطانية ساعد بعض الشيء على توجيه عمل الشركة وخبرائها وغواصيها من بعيد «الا أن معلوماته الكثيرة لم تكن مفيدة في العثور على الحطام»، ومنها أن قبطان «ساسّيكس» السير فرانسيس ويلر، وجد جثة هامدة وهو مرتد «بيجاما» بعد يومين من الكارثة على ساحل المنطقة التي غرقت فيها السفينة بين جبل طارق وشاطئ «سوتوغراندي» القريب من مدينة قادش بجنوب اسبانيا اليوم «حيث نقوم ببعث التاريخ مجددا، بعد أن ظل نائما 308 سنوات تحت مياه المتوسط» كما قال. وكان البحث عن «ساسّيكس» قد أثار خلافات صامتة بين الحكومتين، البريطانية والاسبانية، بعد أن وصلت للأخيرة أصداء احتجاجات من الادارة المحلية للمرافئ والبحرية في مقاطعة الأندلس بالجنوب الاسباني لاستبعادها من الإلمام بما تفعله عدة مراكب وسفن أميركية متطورة، تابعة للشركة صائدة الكنوز، على الساحل الأندلسي في السنتين الماضيتين، الى أن كشفت الشركة، ومعها البحرية البريطانية منذ 5 أيام، عن العثور على حطام، قيل وقتها إنه للسفينة البريطانية الغارقة مع الكنز الأكبر في التاريخ، رغم أن الصناديق المحتوية على السبائك الفضية والذهبية لم تظهر الى الآن بين الحطام. واستخدمت «أوديسيه مارين اكسبلوريشن» أحدث ما تملكه الشركات الصائدة للكنوز من أجهزة راصدة في البحر، بحثا طوال 3 سنوات عن «ساسّّيكس» التي أظهرت كاميرات الرصد بعضا من حطامها يوم الجمعة الماضي، وقد غطته أكوام من الرمال البحرية والأعشاب «حيث تأكد الغواصون فيما بعد أنه لا يمكن أن يكون الا من بقايا السفينة البريطانية الحربية الغارقة» وفق ما قاله باركنز، الذي لم يسبق له أن علم قبل الآن أن قائدا اسلاميا أحرق سفنه هناك قبل أقل من 13 قرنا، ليفوز بالكنز الأكبر في تاريخ الامبراطورية العربية والاسلامية، وهو الأندلس.
وذكر باركنز أنه لم يسمع الى الآن بهذه الحادثة في التاريخ «لأن احراق أحدهم لسفنه أمر غريب، لكني سعيد لكوني تعرفت اليوم الى تفاصيل كشفت لي عن جذور السبب الذي اتخذ منه جبل طارق اسمه» كما قال.