من الصعوبة بمكان اعتراف الإنسان بخطأ ما نشأ عليه، بل ما كان سائداً منذ عهد الأجواء والى الآن، وخاصة إذا كان ذلك في باب المعتقدات، إذ أن الكثير يتغانون في الدفاع عن معتقداتهم وإن كانت تلك المعتقدات مما يخالف العقل. فالكنيسة ظلت وعلى مدى قرون تتجاهل أم لم نقل تدافع عن آرائها التي راح صحية التشكيك فيها عشرات الآلاف وبطرق مختلفة.

ولكن البابا يوحنا بولس الثاني قام بما لم يتم به غيره متجاوزاً منطق العزة في الخطأ ليعلنها صراحة تلك الأخطاء التي قامت بها الكنيسة إبان محاكم التفتيش معتبـراً إياها مرحلة مظلمة في تاريخ الكنيسة مؤكداً على أن «لا تتكرر أبداً التناقضات في خدمة الحقيقة، ولا تنكر أبداً المبادرات ضد وحدة المسيحيين والإهانات الموجهة إلى الشعوب الأخرى واللجوء إلى منطق العنف، ولا التمييز أو الإقصاء….». كما طلب البابا «الصفح عن أبناء الكنيسة وعن المرات التي سقطوا فيها في منطق القوة وانتهكوا حقوق الأعراق والشعوب واحتقروا ثقافاتهم وتقاليدهم الدينية».

وفي إطار هذا المنهج السليم ـ وبعد انغلاق وتكتيم دام سنين طويلة ـ أقدم البابا على فتح الملفات السرية للناتيكان أمام البعض من الباحثين معتبـراً ما حصل سابقاً أمراً لا يحق السكوت عنه.

لقد اعتبـر البابا طلبه للصفح بأنه «سيتيح وحدة للمسيحيين الدخول في الألفية الثالثة كشهود ذوي مصداقية على الأقل». وهذا يعني أنه يخطط لإعادة الدور الأساسي الذي يجب على الكنيسة أن تضطلع به ألا وهو استيعاب آراء الآخرين وعدم مواجهتها بالعنف لأن ذلك سيقود حتماً إلى التمرد على تعاليم الكنيسة وأحكامها كما حدث مما يعتبـر رد فعل على أعمال محاكم التفتيش سابقاً.

فنحن الآن نعيش في عصر يجب أن يمنى منطق القوة فيه، حيث يجب أن يدرك الإنسان بأنه ومع هذا التقدم العلمي الرائع الذي وصل إليه الإنسان نتيجة تفكيره بأن الإنسان ليس بمقدار قوته وإنما الإنسان بمقدار فكره.