دعا الامين العام للأمم المتحدة كوفي عنان العرب الى “الاتحاد في دعم الاقتراح المهم” لحل النزاع العربي – الاسرائيلي الذي أعده ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبد العزيز، وطالب اسرائيل “بانهاء احتلالها الذي طال أمده والتخلي عن الاساليب المستنكرة مثل الاغتيالات واستخدام الاسلحة الثقيلة في المناطق المكتظة بالسكان”، فيما طالب بوقف “الهجمات الانتحارية على المدنيين الاسرائيليين”. وحض بغداد على القبول بعودة مفتشي الاسلحة التابعين للامم المتحدة الى العراق.

وجاء في كلمته امام القمة العربية:

“ليس في العالم اليوم صراع كالصراع الاسرائيلي – الفلسطيني من حيث وضوح حله، وسعة نطاق الاتفاق على ذلك الحل، ومن حيث ضرورة ذلك الحل بالنسبة الى سلام العالم.

غير انه من المفجع انه ليس هناك صراع مثل هذا الصراع يبدو الطريق الى حله مفعما بهذا القدر من الكراهية وعدم الثقة او معرضا الى هذا الحد للتأثر بأعمال المتطرفين.

وهذه مفارقة ينبغي الا تدوم. بل علينا، من خلال التحلي بالشجاعة السياسية وبروح القيادة، ان نسد الفجوة بين رؤيتنا للسلام والواقع الحالي للصراع.

ان هناك حلا لهذه المفارقة، وهو ان يعيد زعماء الجانبين، وبخاصة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تأكيد السلام كخيار استراتيجي، على أساس تسوية عادلة ودائمة وشاملة.

فالدور المنوط بهم والواجب الملقى على عاتقهم هو ان يرجعوا بشعوبهم عن حافة الهاوية. وسيذكرهم التاريخ وستذكرهم شعوبهم بالخير ان هم ارتقوا الى مستوى التحدي، وسيكون حكم التاريخ وحكم شعوبهم عليهم قاسيا ان هم لم يفعلوا ذلك.

اننا جميعا نتوق الى رؤية عصر جديد من السلام والامن للجميع، وهذا التوق يتجلى في القرار الذي اتخذه مجلس الامن في اوائل هذا الشهر، والذي يؤكد رؤية للشرق الاوسط باعتباره منطقة “تعيش فيها دولتان، اسرائيل وفلسطين، جنبا الى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها”.

وبذا وضع مجلس الامن اطارا متينا لايجاد حل عادل وقابل للبقاء لمشكلة فلسطين، مستندا في ذلك الى القاعدة الراسخة المتمثلة في قراريه 242 و338 المتخذين في مرحلة سابقة.

ونحن لسنا اقل وحدة في ما يساورنا من قلق بالغ ازاء البعد الاقليمي لهذا الصراع، وفي دعوتنا الى سلام شامل بين اسرائيل وجميع جيرانها، بما فيهم سوريا ولبنان. ان العالم كله يتطلع، كما تتطلع شعوبكم وشعب اسرائيل، الى وقف سفك الدماء والمعاناة.

وشعوب العالم العربي ليست  وحدها في الايمان بحق الفلسطينيين في دولة لهم تنعم بالسلام والامن، وبأنه يجب انهاء هذا الاحتلال الذي طال أمده، وانه يجب فورا تحسين ظروف عيش الفلسطينيين التي لا تطاق، وان على اسرائيل ان تتخلى عما تتبعه من اساليب مستنكرة، مثل الاغتيالات المستهدفة، واستخدام الاسلحة الثقيلة في المناطق المكتظة بالسكان.

ولكن شعب اسرائيل ايضا ليس وحده الذي يؤمن بأن من حقه هو ان يعيش في سلام وأمن ومن غير رعب، وان الهجمات الانتحارية على المدنيين الاسرائيليين مستهجنة اخلاقيا ولا ينبغي تمجيدها، بل يجب ان يندد بها جميع الزعماء العرب، وان على العالم العربي كله ان يتقبل بلا رجعة، في السر وفي العلن، حق اسرائيل في الوجود.

ان شعوب العالم اجمع تشاطر الجانبين مواقفهما هذه.

ان الفلسطينيين على حق في المطالبة بأفق للسلام. وكلنا نريد ان نرى نهاية الاحتلال، وسحب المستوطنات الاسرائيلية واقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ومن حق الاسرائيليين بالقدر نفسه ان يتوقعوا أفقا للسلام. وكلنا نريد ان نسمع منكم – انتم قادة جامعة الدول العربية – تأكيدا قويا ذا صدقية ان في امكان اسرائيل، متى توصلت الى سلام عادل وشامل وانسحبت من الاراضي العربية ان تتطلع الى السلام والى قيام علاقات طبيعية كاملة مع العالم العربي كله. وهذا التأكيد يمكن – بل يجب – ان تكون مساهمتكم في السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

والاقتراح المهم الذي طرحه سمو الامير عبدالله ولي عهد المملكة العربية السعودية يمكن ان يكون الاساس. فهذا الاقتراح، الذي يستند الى مبدأ “الارض في مقابل السلام”، يقدم رؤية واضحة ومقنعة. ولم يسبق ان كان البحث عن السلام والاستقرار اكثر الحاحا من الان. وانا اناشدكم اليوم، في سياق السعي المستميت الى السلام والاستقرار، ان تتحدوا في دعم هذه الرؤية لتبينوا للعالم – وللطرفين – استعدادكم لمساعدتهما في خياراتهما الحاسمة من اجل السلام.

اصحاب السعادة، اسمحوا لي الآن ان أشير بايجاز الى بلدين آخرين، أعلم ان مصيرهما يثير قلقا بالغا في نفوس العرب والمسلمين، بل لدى العالم كله.

لقد أجريت في وقت سابق من هذا الشهر محادثات صريحة ومفيدة مع وزير خارجية العراق في شأن كيفية تنفيذ قرارات مجلس الامن ذات الصلة، وسنجتمع ثانية الشهر المقبل. وفي غضون ذلك، أناشد القيادة العراقية مرة اخرى – من اجل الشعب العراقي وسلام المنطقة – ان تمتثل دون تأخير لجميع القرارات ذات الصلة.

فكلما أسرعت في قبول انه لا يوجد سبيل اخر الى انهاء نظام الجزاءات ورفع المعاناة عن الشعب العراقي، أمكن حل هذه المشكلة بشكل أسرع. وانني واثق من انكم، انتم قادة العالم العربي، ستضمون صوتكم الى صوتي في هذا النداء.

وفي الوقت نفسه، فان الحالة في افغانستان هي تذكير آخر بما تخلفه الحرب من دمار وشقاء.

لقد برهن المجتمع الدولي عن تصميم يكاد يكون منقطع النظير، وبخاصة في مؤتمر طوكيو في كانون الثاني على مساعدة الافغان في اعادة بناء بلدهم، وبالتالي ارساء دعائم السلام الدائم. وقد شاركت المملكة العربية السعودية في رئاسة ذلك المؤتمر، وقدم كثير من الدول الاخرى الموجودة هنا اليوم تعهدات سخية للمساعدة، ان الشعب الافغاني يعول على مساعدتكم، التي اصبحت الحاجة اليها اكثر الحاحا، وخصوصا الان بعدما تراكمت آثار الكارثة الطبيعية على دمار الحرب. واتقدم بأخلص تعازي الى أسر كل الذين فقدوا أحباءهم وأعزاءهم في الزلزال الرهيب في شمال افغانستان قبل يومين.

السيد الرئيس، لقد ظل العالم العربي أمدا طويلا جدا محروما الافادة من امكاناته بسبب استمرار الصراع والشك وعدم الاستقرار. ومع اننا نلتقي في وقت أزمة وتوتر، فانني أحضكم على التطلع الى مستقبل يسوده السلام والرخاء، واتخاذ خطوات تقرب هذا المستقبل. اني اناشدكم التصدي لخطر التطرف والكراهية والتعصب، والتكفل ان لا يكون لها محل في مناهجكم المدرسية او في أذهان شبابكم.

ان شعوبكم، مثل كل الشعوب وبخاصة الشباب من هم دون العشرين الذين يشكلون زهاء 50 في المئة من افراد مجتمعكم – تتطلع الى الفرص التي تتيحها مجتمعات حرة ومنفتحة تنعم بالحكم الصالح وحقوق الانسان وحرية التعبير وحكم القانون. وهذا وحده هو السياق الذي يمكنها فيه ان تستفيد الى اقصى حد من قدراتها، وان تورث ابناءها مستقبلا افضل. وبهذه الطريقة وحدها يمكن احلال السلام والاستقرار والرخاء محل الفقر والامية والتطرف لما فيه مصلحة جميع شعوب هذه المنطقة”