بدأت في جزيرة إيمرالي التركية محاكمة عبدالله أوجلان ـ زعيم حزب العمال الكردستاني ـ بتهمة الإرهاب والتسبب في مقتل 30 ألف شخص في تركيا.. وأيمـاً كانت مسيرة المحاكمة التي يواجه فيها أوجلان موقفاً صعباً فإنها تثير من جانب آخر المطالب الشرعية للأكراد الذين ساروا على طريق الآلام منذ عشرات السنين كما تكشف المعاملة القاسية التي لاقوها على أيدي الحكومات التركية .
نصف مليون كــردي سقطــوا بأيـدي القوات العلمانية الجديدة خـلال المطــالبــة بحقوقهـم السيــاسيــة والاجتماعية بدأت مشكلة الأكراد حين أقدم مصطفى كمال على إلغاء الخلافة الإسلامية بمساعدة دول الحلفاء، وترأس الجمهورية التركية التي وضع حدودها الاستعمار، فقام بإصدار قوانين وقرارات صادر من خلالها حريات الناس، ورفض أي قومية غير القومية التركية، ومنع الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للقوميات الموجودة داخل تركيا، الأمر الذي أدى إلى اشتعال الثورة عام 1925م بقيادة الشيخ المجاهد سعيد بيراني الكردي الأصل، ورفع شعار إعادة الخلافة الإسلامية. ولكن الثورة فشلت حين تمكن مصطفى كمال من سحق الثوار بأبشع الطرق التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وسقط من الضحايا نصف مليون شخص، كل هذا حدث بمساعدة بريطانيا وفرنسا، ولكن الشعب لم يسكت، فاندلعت ثورات أخرى كثورة إحسان ثوري باشا عام 1930م ـ 1935م، ثم تلتها ثورة أخرى عام 1937م بقيادة السيد رضا رشيد الديرسمي. وظل الشعب الكردي يعاني من الظلم والقتل والتهجير والفقر طوال هذه الحقبة، وبسبب هذه المظالم نشأ الحقد الأسود في ظل المعاناة، وكانت ردود الفعل قوية ونشأ نتيجة لهذه الأسباب أكثر من عشرة أحزاب كردية تطالب بحقوق الأكراد أهمها الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا، والمنظمة الثورية الكردية والحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني الذي تأسس في السبعينيات بقيادة عبدالله أوجلان والذي طردته تركيا من البلاد وسحبت منه الجنسية التركية، فلجأ إلى سورية بعد أن سدت السياسة التركية في وجهه ووجه كل الأكراد أبواب الحوار، فلجأ عام 1984م إلى إعلان الكفاح المسلح لتغيير نظام الحكم ولكن تركيا قابلت هذا الأمر بوحشية وعنف فأريقت الدماء وارتكبت المظالم وتم تهجير ثلاثة ملايين كردي وحرق قراهم، وظنت تركيا كما تظن بقية الدول التي يعيش فيها الأكراد أن العنف والإبادة الجماعية هما الوسيلة الناجحة لإنهاء الصراع لصالحها، وتجاهلت تركيا العديد من فرص السلام التي قدمها الأكراد ومنهم عبدالله أوجلان، إحداها في بداية التسعينيات حيث طلب الرئيس التركي السابق تورجوت أوزال من جلال طلباني التوسط لدى أوجلان لقبول السلام مقابل الحكم الذاتي، فوافق أوجلان، ولكن أوزال الذي عرض الفكرة على الجنرالات قتل هو وقائد الجيش في منطقة الأناضول عام 1993م لتنتهي بهذا الأمر عملية السلام التي كان يمكن من خلالها حقن الدماء، وآخر المحاولات التي قام بها أوجلان لإنهاء القضية بالطرق السلمية حين كان في إيطاليا، ولكن طلبه قوبل بالرفض، مثل كل المرات السابقة وظلت السياسة التركية إلى يومنا هذا تحبذ العنف لعلاج هذه القضية تحت سمع العالم وبصره. إن مأساة هذا الشعب كبيرة وليس هذا مجال الحديث عن تفاصيلها لكن آخرها كان تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني، بمساعدة أطراف عديدة أهمها أمريكا وإسرائيل وبدء محاكمته بتهمة الإرهاب وتقسيم البلاد والتي ينص القانون التركي على معاقبة المتهم بها بالإعدام. وليس غريباً أن تساعد أمريكا أكراد العراق وتحارب أكراد تركيا، فأمريكا لا تحب أكراد العراق وقد خانتهم أكثر من مرة، والكل يعرف هذا ولكنها تساعدهم اليوم كرهاً لصدام، وإلا فلماذا لم تساندهم في نضالهم ضد صدام قبل حرب الخليج، بل إنها خذلتهم أكثر من مرة. وتركيا التي تتهم الأكراد وحزب العمال وعبدالله أوجلان بالإرهاب.. ألم تبدأ هي بهذا الإرهاب، فهي التي دمرت قرى الأكراد، وهجّرت ثلاثة ملايين كردي، ومنعت الأحزاب الكردية من ممارسة حقها، وسحقت انتفاضات راح ضحيتها مئات الألوف، واعتقلت أعضاء البرلمان من أصل كردي، وأعدمت الشيخ سعيد بيران وغيره من زعماء الثورات الكردية، وهي التي اعتقلت الكاتب التركي الدكتور إسماعيل بيشكجي لدفاعه عن الأكراد وقتلت الرئيس تورجوت أوزال وقائد الجيش في الأناضول لمحاولتهما حل القضية الكردية بالطرق السلمية، حتى أنها لجأت إلى تغيير إشارات المرور في المناطق الكردية التي تعبر عن ألوان العلم الكردي! وهي التي أجبرت رئيس الوزراء السابق أربكان على الاستقالة، وهي التي قامت بغلق المدارس الدينية ومنعت الحجاب.. وغيرها وغيرها، وهي بالمقابل تجتاح جزيرة قبرص بحجة حماية الأتراك الذين لا يتجاوز عددهم (150) ألف شخص وتقوم بتسليح التركمان في العراق، وتساندهم للمطالبة بولاية الموصل وكركوك، هذا الأمر جائز لها، أما الأكراد الذين يبلغون أكثر من عشرين مليوناً في تركيا، فليس لهم الحق في الدفاع عن حقوقهم، وإذا دافعوا عنها كانت تهمتهم الإرهاب! إن محاكمة أوجلان ينبغي النظر إليها باعتبارها دليلاً على وجود قضية اسمها قضية الأكراد، من جهة أخرى فإن تركيا أحيت الشعور القومي لدى الأكراد باعتقالها أوجلان ودفعتهم للتضحية وإحراق أنفسهم والتفافهم حول شخص عبدالله أوجلان أملاً في الوصول إلى حل للقضية الكردية. إنني أناشد الحكومات والشعوب العربية بأن تقف مع الأكراد وتحل قضيتهم بل وتتحد معهم لأن القرن القادم قرن التكتلات، والنصر يكون من نصيب الشعوب القوية التي يعيش أبناؤها متآخين في حب ووئام، وعلينا ألا ننسى حقد الحكومات التركية على العرب والمسلمين والذي أدى بها للتحالف مع إسرائيل وأمريكا للوقوف بوجه الشعوب العربية والإسلامية، وهي تستخدم تارة المياه في حربها مع سورية والعراق، ومعاداة الإسلام وتسليحها للتركمان الذين يطالبون بما تطالب به تركيا “ولاية الموصل وولاية كركوك” كما تفعل أمريكا في تسليحها النصارى في كردستان العراق للوقوف بوجه الأكراد والعرب ومطالبتهم بالتالي بالحقوق وآخرها الدولة النصرانية التي طالب بها سابقاً النصارى في العراق، فهل نعي هذا الدرس
ونعالج الأمر قبل وقوع الكارثة؟

كاميران الكردي ـ ألمانيا