يحيي الاحرار خلال الايام القليلة القادمة مناسبة جليلة القدر عظيمة المعنى، تجسد في كينونتها العديد من السمات الانسانية الحقة، وصور لطبيعة الصراع الأزلي بين دعاة الحق والحقوق والعدالة الانسانية من جهة، وطغاة العصور والاستبداديين ومنتهكي حقوق الانسان من جهة أخرى، منازلة كانت ولا تزال تستحضر الهمم وتجدد الارادات لمواجهة كل من يسعى الى مصادرة الآخرين والاستئثار بشؤونهم دون وجه حق.

اذ يحل علينا ذكرى العاشر من شهر محرم الحرام، المشهور بيوم عاشوراء الذي دأبت المجتمعات الاسلامية وسواها احيائه كتعبير عن رفض الظلم بكل اشكاله، والدعوة الى ارساء العدالة الانسانية حول الارض بكل تفاصيلها، ليسود السلم والامن والمساواة بين البشر، دون تمييز بين ابيض او اسود، او عربي واجنبي، او دين او معتقد.

فلطالما اقتبست المجتمعات من هذه المناسبة مشاهد الامام الحسين واهل بيته واصحابه عليهم السلام، فكرة ان الحياة مع القهر والاستبداد والرضوخ للظلم ضياعا وارتهانا وتبديدا للحقوق التي اقرتها الاعراف السماوية والقوانين الوضعية، وان مواجهة الاستكبار والجور مهما كان جبروتهما افضل بكثير من الخنوع والاستكانة، فكما قال الامام علي عليه السلام، لا تستعبدوا الناس وقد خلقهم الله احرارا، وان للباطل صولة وللحق دولة.

وفي الوقت الذي ترزح فيه المجتمعات الاسلامية في عصرنا الحالي تحت الكثير من عناوين الظلم والتهميش وسلب الحقوق، وبأساليب متنوعة، بالقوة والعنف تارة، وبالفساد الاداري والمالي تارة اخرى، الامر الذي انعكس وبالا وخيبة وانهيار كبير في القيم والمبادئ الانسانية والمجتمعية، وتخلفا حضاري وتدهور في المستوى المعيشي بصورة خطيرة، تغتنم منظمة اللاعنف في هذه المناسبة اطلاق دعوتها الى قادة وحكام الشعوب الاسلامية والعربية، للاعتبار من عظمة يوم عاشوراء بمعانيه الشامخة، والتزود من نهج رسول الله واهل بيته عليهم السلام في التعامل مع الحقوق وشؤون الرعية، مقتبسة من اقوال المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي جملة من الرؤى والتوجيهات القيمة الداعية للإصلاح والنهوض بمقومات شعوبنا وامتنا على اكمل وجه.

لقد تدارك سماحة المرجع دام ظله خلال كلمته الاخيرة بمناسبة قرب حلول ذكرى عاشوراء مسألة بالغة الاهمية والتعقيد، ولها في شؤون الدول والمجتمعات خصيصة جوهرية مع الاسف الشديد جرى اهمالها خلال العقود الماضية، والتي تتمثل بأحياء قانون الارض لله ولمن عمرها في مجالات مختلفة سكناً، زراعة واستثمار من قبل الافراد والجماعات (ومن دون تدخل الحكومات إلا في حفظ حقوق المواطنين ومنع الظلم) بعد ان اصبحت بؤرا مهجورة بسبب احتكار الحكومات لها ومنعها من الناس، مما انعكس بشكل سلبي على الدول، ابتداء من قطاع الزراعة مروراً بتداعياتها الاقتصادية واخيراً وليس آخراً اهتزاز شعور الانتماء الوطني للأرض والمجتمع، الامر الذي افرز الكثير من السلبيات الخطيرة على الدول الاسلامية مجتمعة.

يقول دام ظله الوارف ، الأرض ليست ملك لأحد بل هي ملك لله سبحانه وتعالى، وهي وكما قال الله للنبي مِلكاً (لمن أحياها)، أي كل من يبني البيت أويزرع أويحفر القناة والبئر  وغيرها من معاني العمران.

ويضيف سماحته، أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وخلال عشر سنوات من حكومته ومع كل الاحتياجات التي كانت تنقصه وهي ليست واحدة أو اثنان ولا مئة ولا أكثر، ومنها أنّه كان يستقرض لقضاء حوائج المسلمين إلاّ أنّه لم يبع شبراً واحداً من الأرض ولم يأخذ من ذلك المال لسدّ احتياجاته.

ويلفت سماحته الى اهمية الارض لما لها من مكانة رفيعة في نفس الانسان، باعتبارها قيمة اساسية في نفوس الناس يسترعي من الحكومات اتاحه حرية استثمارها واحيائها بالصورة المثلى دون افراط او تفريط.

لذا تغتنم منظمة اللاعنف العالمية هذه الوصايا القيمة للمرجع الشيرازي كمنطلق لتوجيه رسالة الى كافة قادة وحكام الشعوب الاسلامية، تطالب من خلالها تشكيل لجان تعنى بتوزيع الاراضي على المواطنين مجاناً ضمن خطط تهدف الى إنماء اقتصاد المواطن و الاصلاح الزراعي الحقيقي والاقتصادي لصالح المجتمع بشكل عام، تراعى من خلالها توفير كافة المستلزمات المطلوبة للنجاح وتحقيق الاهداف المنشودة بما يعود على الافراد والمجتمعات بالخير والمنفعة المتبادلة، ليجسدوا بذلك استلهامهم لنهج نبي الاسلام واهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، النهج الذي اراد احياء هذه الامة والارتقاء برسالتها وانسانيتها على كافة الاصعدة البشرية.