الرياض ـ واس: اصدر مجلس هيئة العلماء في السعودية بيانا حول ما يجري في كثير من البلاد الاسلامية و غيرها من التكفير و التفجير و ما ينشا عنه من سفك الدماء و تخريب المنشآت و ما يترتب عليه من ازهاق ارواح بريئة و اتلاف اموال معصومة و اخافة الناس و زعزعة الامن و الاستقرار، و اعلن ان الاسلام برئ من معتقد التكفير الخاطئ و ان ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة و تفجير للمساكن و المركبات و المرافق العامة و الخاصة و تخريب للمنشآت هو عمل اجرامي و الاسلام برئ منه و كذلك كل مسلم يؤمن بالله و اليوم الاخر. و اوضح البيان ان من يقوم بمثل هذه الاعمال من التفجير و التخريب بحجة التكفير انما هو تصرف من صاحب فكر منحرف و عقيدة ضالة فهو يحمل اثمه و جرمه فلا يحتسب عمله على الاسلام و لا على المسلمين المهتدين بهدي الاسلام المعتصمين بالكتاب و السنة و المتمسكين بحبل الله المتين و انما هو محض فساد و اجرام تأباه الشريعة و الفطرة.

و اضاف البيان قائلا: و لهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة اهله.

قال الله تعالى: (و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو الد الخصام و اذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد و اذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم و لبئس المهاد).

و اوضح بيان مجلس هيئة كبار العلماء ان التكفير حكم شرعي مرده الى الله و رسوله فكما ان التحليل و التحريم و الايجاب الى الله و رسوله فكذلك التكفير و ليس كل ما وصف بالكفر من قول او فعل يكون كفرا اكبر مخرجا عن الملة.

و اضاف البيان: و لما كان مرد حكم التكفير الى الله و رسوله لم يجز ان نكفر الا من دل الكتاب و السنة على كفره دلالة و اضحة فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة و الظن لما يترتب على التكفير فالتكفير اولى ان يدرأ بالشبهات و لذلك حذر النبي صلى الله عليه و اله و سلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر فقال: (ايما امرئ قال لاخيه يا كفر فقد باء بها احدهما ان كان كما قال و الا رجعت اليه.

و قال مجلس هيئة العلماء: و قد يرد في الكتاب و السة ما يفهم منه ان هذا القول او العمل او الاعتقاد كفر و لا يكفرمن اتصف به لوجود مانع يمنع من كفره و هذا الحكم كغيره من الاحكام التي لا تتم الا بوجود موانعها كما في الارث سببه القرابة مثلا و قد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين.

و هكذا الكفر يكره عليه الؤمن فلا يكفر به و قد ينطق المسلم بكلمة الكفر لغلبة فرح او غضب او نحوهما فلا يكفر بها لعدم القصد كما في قصة الذي قال: (اللهم انت عبدي و انا ربك فاخطا من شدة الفرح). و التسرع في التكفير يترتب عليه امور خطيرة من استحلال الدم و المال و منع التوارث مما يترتب على الردة فكيف يسوغ للمؤمن ان يقدم عليه لأدنى شبهة).

و اضاف البيان: و اذا كان هذا في ولاة الامور كان اشد لما يترتب عليه من التمرد عليهم و حمل السلاح عليهم و اشاعة الفوضى و سفك الدماء و فساد العباد و البلاد و لهذا منع النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم من منابذتهم فقال (الا ان تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان) فافاد قوله الا ان تروا انه لا يكفي مجرد الظن و الاشاعة.

و افاد قوله كفرا انه لا يكفي الفسوق و لو كبر كالظلم و شرب الخمر و لعب القمار و افاد قوله بواحا انه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر و افاد قوله عندكم فيه من الله برهان انه لا بد من دليل صريح بحيث يكون صحيح الثبوت صريح الدلالة.

فلا يكفي الدليل ضعيف السند و لا غامض الدلالة و افاد قول من الله انه لا عبرة بقول واحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم و الامانة اذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و هذه القيود تدل على خطورة الامر.

و جملة القول ان التسرع في التكفير له خطره العظيم لقول الله عز وجل. (قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق و ان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا و ان تقولوا على الله ما لا تعلمون).

و اضاف البيان ان ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء و انتهاك الاعراض و سلب الاموال الخاصة و العامة و تفجير المساكن و المركبات و تخريب المنشآت هي و امثالها اعمال محرمة شرعا باجماع المسلمين لما في ذلك من هتك لحرمة الانفس المعصومة و هتك لحرمة الاموال و هتك لحرمات الامن و الاستقرار و حياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم و معايشهم و غدوهم و رواحهم و هتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها. و قد حفظ الاسلام للمسلمين اموالهم و اعراضهم و ابدانهم و حرم انتهاكها و شدد في ذلك و كان من آخر ما بلغ به النبي صلى الله عليه و آله و سلم امته فقال في خطبة حجة الوداع: (ان دماءكم و اموالكم و اعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا). ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم (اللهم بلغت اللهم فاشهد)..

و قال صلى الله عليه و آله و سلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه) و قال عليه السلام (اتقوا الظلم فان الظلم من ظلمات يوم القيامة) و قد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة باشد الوعيد فقال سبحانه في حق المؤمن: و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعد له عذابا عظيما.

و قال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم القتل الخطا (و ان كان من قوم بينكم و بينهم ميثاق فدية مسلمة الى اهله و تحرير رقبة مؤمنة).

فاذا كان الكافر الذي له امان اذا قتل خطأ فيه الدية و الكفارة فكيف ان قتل عمدا فان الجريمة تكون اعظم و الاثم يكون اكبر.

و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة).

و اكد البيان ان الواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق و التناصح و التعاون على البر و التقوى و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدل بالتي هي احسن كما قال سبحانه و تعالى: (و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الاثم و العدوان و اتقوا الله ان الله شديد العقاب).

و قال سبحانه: (و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم).

و قال عز وجل: (و العصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر).

و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: (الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله.. قال لله و لكتابه و لرسوله و الائمة المسلمين و عامتهم. و قال عليه الصلاة و السلام (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمَّى). و الآيات و الاحاديث في هذا المعنى كثيرة.

و قال مجلس هيئة العلماء (و نسأل الله سبحانه باسمائه الحسنى و صفاته العلى ان يكف البأس عن جميع ولاة امور المسلمين الى ما فيه صلاح العباد و البلاد و قمع الفساد و المفسدين و ان ينصر بهم دينه و يعلي بهم كلمته جميعا في كل مكان و ان ينصر بهم الحق انه ولي ذلك و القادر عليه، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه.