ان الله تبارك و تعالى بعث الانبياء هدى و رحمة و ذكرى لا للمؤمنين فحسب، بل و للناس اجمعين، و لا للفترة الزمنية التي عاشوها، بل و لكل بني البشر من الاولين و الاخرين.

و كلهم دعوا الى الفلاح و التزكية و بناء النفس اولا، و من ثم المجتمع الثاني، و لكل نبي فرقانا ضياء و ذكرا لمن سمع و وعى و من سياتي و يسمع و يعي.

انهم جاءوا ليخرجوا الانسان من عالم التحدي بالعضلات الى التحدي بالافكار و الاراء، و الانتقال من عالم الحيوان الذي تحكمه الاظافر والانياب و العضلات، الى عالم يحكمه العقل و المنطق و الفكر.

و ان يفهم الانسان ان صراع الافكار مختلف عن صراع الاجساد، و ان لا يعود ليستخدم قوة الاجساد لفرض الدين و العقيدة و لا اكراه الجسد في فرض الافكار و المبادئ.

و بمجرد ان يفهم الانسان هذا الاختلاف يكون قد دخل عالما جديدا يحكمه قانون (لا اكراه في الدين) اذ فيه (قد تبين الرشد من الغي).

و تمكن الانبياء من تحرير الانسان و التفريق بين النزاع الفكري و النزاع الجسدي، و ادخلوا الانسان الى عالم جديد بعدما اوجدوا له عالما آخرا من الحوار و تغيير ما في النفس.

الا ان هناك من يحاول جر اصحاب الافكار الى المعارك الجسدية و الخروج من حالة الوعي و الادراك الى عالم اللاوعي، لا لهدف معين، انما ليطيع النفس الامارة بالسوء. او لاه لا يفهم فلسفة ارسال الرسل و كيفية هداية البشر.

و باعتقاد هذا البعض: ان معركة الجسد هي المعركة الرابحة و لها الفوز الاكبر في كل ميادين الحياة كما لها الفوز في معركة الجهاد، و هذا يعني الطريق الامثل و الفوز في كل مراحل الحياة، من دون ان يتذكر قول الرسول(ص) مخاطبا المجاهدين و الفائزين في معارك دامية، حيث قال لهم: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر و بقي عليهم الجهاد الاكبر فقيل يا رسول الله و ما الجهاد الاكبر؟

قال: (جهاد النفس)

و غير خفي ان الكثير ممن ربح معركة الاجساد و اقر ببطولتهم جمع غفير، قد خسر في اول خطوة من خطوات جهاد النفس او معركة الذات.

تراهم يحملون اوزار الحرب و اثقالها و يخوضوا المعارك الدامية و لا يخافون الخسران اطلاقا، الا انهم لا يطيقون الخطوة الاولى من النزاع الفكري الذي يتمثل في سماع الراي الاخر.

و هناك اصحاب المبادئ و الافكار الذين يملكون الوعي و يفصلون بين معركتي الجسد و الفكر، و لا يقعون فيما يسعى الاخرون الى ايقاعهم فيه.

و هنا نقطة لا بد للتوقف عندها، و هي: ان بعض اصحاب المبادئ الفكرية يعتقدون بالديمقراطية، مع انها الاساس في الصراع الفكري، اذ لا مجال لحركة الفكر في جو غير ديمقراطي، و الاجواء الحرة هي التي تعيد الى الافكار حيويتها لتنضج و تتبلور و تنتج و… عدم الاعتقاد و الالتزام بالديمقراطية يعني العودة الى الصراع الجسدي و الذي هو مرفوض جملة و تفصيلا، سواء كان في المجتمعات الدينية او العلمانية و… و خارج عن النزاع الفكري البتة. و يبقى السؤال دائما، أي منهم الرابح، و من هو الخاسر؟