اختلفت آراء أهل الحل والفقر في استقلالية الحوزة والمرجعية في الكيان الشيعي أو تدويلها. مع غض النظر عن تلازم الدين والسياسة أو الانفصال بينهما.

استدل القائلون بالتدويل على دمج طاقات المرجعية ـ المحدودة ـ والدولة ـ على سعتها وشموليتها ـ والمصالح المشتركة وذلك لتطبيق احكام الامر بالمعروف والنهي عن المنكرو..

واستدل اصحاب الاستقلالية إلى الكثير من الروايات المروية على المعصومين (عليهم السلام) والدالة على أنهم (دام ظلُّهم) هم حجج اللـه على العباد ـ في زمن الغيبة ـ وبيدهم أزمةُ الأمور و…. بالاضافة إلى تباين مصالح الدولة والدين أحياناً إذ ربما تكون بعض الاتفاقيات مع بعض الدول معارضة للنصوص الدينية المعتبـرة إلا أنها في مصلحة النظام، أو ان بعض الفتاوى تعارض نظام سياسي في بلد وتوافق نظام في بلد آخر.

مضافاً إلى أن دولة اليوم قد تلتزم بالانقياد إلى المرجعية ودولة الغد قد تختلف معها. وقد تتقيد الانظمة بالمعاهدات الدولية والاتفاقيات السياسية ولا يمكنها التغيير حسب فتاوى هذا المرجع أو ذاك.

اضف إلى ذلك بعض التغييرات الحاصلة في سياسات الدولة ـ في امور مختلفة ـ نظراً لظروف سياسية في العالم من الاتجاه نحو السلم أو الحرب، والعنف أو اللاعنف أو الانفتاح و….

ومن الطبيعي أن الامة لا يمكنها قبول هذا الامر في الامور الدينية. فمثلاً: يقول المرجع اليوم بحلية ما قال بحرمته بالأمس… وذلك حسب الظروف والملابسات وملاحظات قواعد الاهم والمهم و….

وسيكون حاصل ذلك عدم ثقة الامة بالمرجعية وفتاواها لعدم دركها الظروف والملابسات. وفي الجملة سيكون المرجع معرضاً للتهم الكثيرة التي قد نراها في مجتمهاهنا اليوم. حيث أن الاستعمار بدأ منذ فترة غير قصيرة بتوجيه الاتهامات المختلفة للكيان المرجعي، وساعدها جهل بعضنا بنقل تلك التهم (من غير قصد ووعي) إلى المجالس الخاصة والعامة. والملفت للنظر أن امواج التهم تأتي من القائلين بنظرية التدويل وتنتقل من دولة إلى دولة وشعب إلى شعب… وبغطاء ديني ولمصلحة الدين!! ولو تأمل الواحد منا في مجتمعه يرى الاشكالات المطروحة على ألسن عامة الناس ومتوجهة إلى الكيان المرجعي الشيعي بوضوح ومن غير بذل حتى القليل من الجهد. من غير التفات إلى حقائق الامور والضغوطات الكثيرة الموجودة على المرجعية أو إلى المستفيد من توجيه التهم إلى هذا الكيان. ولعل الاستعمار الذي بذل جل جهده وماله وعرضه و… لهذا الامر هو الذي سلب منا قدرة التفكير والتصور السليم في الدفاع عن المرجعية أو تقصي الحقائق و… بل واتقنها في نفوسنا حتى لا يتسحيى بعضنا من هذا العمل الاسلامي والانساني.

حتى ان الواحد منا يقر لغيره حرية الرأي والمخالفة ـ أحياناً ـ وعدم الخوض في بعض الأمور، ولا يقره إلى المرجع الذي هو المتخصص في الدين وإليه يرجع الأمر.

وان كل منا لا يعترض على المهندس والطبيب والحاسب و…. ويعترض على المرجع من دون السؤال من أو مناقشة أو التدقيق في المسألة. والقول في استقلالية المرجعية لا يعني الانفصال بين الدين والسياسية. بل يعني رجوع السياسي إلى العالم الديني في ما يختص بامور الدين وأخذ معالم الامور وتعيين حدوده كما يجوز رجوع العالم إلى المحنكّ السياسي في القضايا السياسية و….

وفي الحديث الصحيح والمتواتر سنداً ومتناً المروي عن الرسول (ص) وغيره حيث قال: إذا رأيتم العلماء على ابواب الملوك فبئس العلماء وبئس الملوك، وإذا رأيتم الملوك على ابواب العلماء فنعم الملوك ونعم العلماء…

ولعل العلاج يكون بملاحظة أمور:

1ـ تشكيل لجان من أهل الحل والعقد لدراسة الأمور.

2ـ وقف التهم ـ مهما كانت ومن أية جهة جائت ـ وإن كانت متلبسة بلباس خاص.

3ـ تثقيف الأمة على اساس احترام الفتاوى، وان اختلافها أمر طبيعي وفطري حاصل من الاستنباط في الاحكام وحسب الضوابط الدينية. وتعطيل هذا الامر يساوي تعطيل الفكر والغاء حرية التعبير… وهذا ما يرفضه الشرع والعقل جملة وتفصيلاً.

بالاضافة إلى أن على كل مقلَّد ـ بالكسر ـ مراجعة مقلَّده ـ بالفتح ـ في كل الامور ومن دون استثناء وليس عليه إلا اتباع الفتوى.

وليس لفقيه ولاية على مقلدي غيره إطلاقاً، كما صرح به جل فقهاء الامامية وعليه فلن يقبل من المكلف إلا مطابقة عمله مع فتوى فقيه يراه أهلاً للتقليد…. والموضوع قابل للبحث والمناقشة….. فتأمل.