* ناقش الشيخ محمد تقي باقر امين عام تجمع (المسلم الحر) ـ وهو تجمع اسلامي شيعي يدعو إلى اللاعنف ـ في لقاءاته الرمضانية (في ليالي القدر) مع جمع من العلماء والمفكرين اللبنانيين الحديث الشريف المروي عن رسول اللـه (ص) في وصاياه لعلي أمير المؤمنين (ع)، حيث قال له: يا علي، المؤمن من آمنه المسلمون على أموالهم، ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات.

وقال في معنى الحديث: بدل ان ندعي الفهم علينا ان نعقد مؤتمرات كثيرة لفهم مغزى الحديث الشريف وكيفية تطبيقه على الأرض، والذي استنتج من الحديث هو:

أولاً: المؤمن يجب أن يكون أميناً على كل حال، وعلى كل ما يؤتمن مهما بلغ.

ثانياً: الأمانة عامة والتي تشملها الجوانب السياسية والاقتصادية و….

ثالثاً: وان يكون مجلسه ومجتمعه مأمن لكل من طلب الأمن منه، ويدل عليه حكم اللـه في الآية المباركة: (وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام اللـه ثم ابلغه مأمنه وذلك بانهم قوم لا يعلمون) (التوبة 6) بل وكل من لم يدخل في صراع مسلح ضد المجتمع الايماني، أي كل من لم يشهر السلاح.

وهذا يعني ان حرية المعارضة أو المناقشة في الدين باقية والباب مفتوح على مصراعيه ولا يحق للمؤمن ان يعترض على من يعتقد بغير معتقده، (ويسر امين عام تجمع (المسلم الحر) ان يفتح الباب للنقاش امام من يحب من الاخوة العلماء والمفكرين والمثقفين وعلى العنوان التالي:

ص. ب: 5570/13

شوران، بيروت ـ لبنان

هاتف نقال: 960436/03)

بل يعارضه إلا انه إذا اشهر السلاح فيجب ردعه بما يمكن وما يلزم.

رابعاً: الامانة في الدماء، ولعلها من شهادة الزور، والافتاء في ما يتعلق بالدماء.

وعليه، فالشهادة في ما يرتبط بالقضاء والمحاكم دقيقة ولها تبعاتها، وامارة المسلمين والمؤمنين حساسة، والفتوى في زمن الحرب والدماء من اصعب الامور وادقها.

هذا في القسم الاول من الحديث الشريف.

أما في القسم الثاني، فالكذب على المسلمين وعلماؤهم والغيبة والتي هي أشد من الزنا، وكذلك التهم الكثيرة المتداولة في بعض المجتمعات، والبهتان الرائج على هذا العالم أو ذاك، فهو محرم قطعاً، والناس في هذا الحكم سواء، ولا فرق بين كون الفاعل فرداً كان أو جهة، سياسياً كان أو علمياً، فقيهاً كان أو جاهلاً.

ولافرق بين التهمة والبهتان والتشهير بنقاط الضعف، أو تشويه السمعة.

وفي وصايا رسول اللـه (ص) لأبي ذر الغفاري: لا تكن عياباً، ولا مداحاً، ولا طعاناً، ولا ممارياً.

فلا يجوز على الاطلاق وباجماع الفقهاء والمحدثين، تشويه سمعة العلماء ونشر الاكاذيب والملفقات ضدهم، بل وحتى مناقشة أراؤهم في مجتمعات غير علمية مما يسبب قبول الآخرين تفنيد أراء العلماء لعدم معرفتهم بالادلة الشرعية والضوابط العرفية وما إلى ذلك.

والدعوة إلى مثل هذه الامور داخلة في مماراة السفهاء ومجادلة العلماء. وفي الحديث المروي عن رسول اللـه (ص): من تعلم ليمارى به السفهاء أو يجادل به العلماء أو ليدعو الناس إلى نفسه فهو من أهل النار.

نعم، يمكن مناقشة آراء العلماء والمراجع في اجواء العلم وبحضور حَملَتَه، وفي مثل الحوزات العلمية والجامعات وغيرها مما يفسح المجال للمناقشة الموضوعية، وفي مثل هذه الامكنة لا يشملها التشهير وتشويه السمعة على الظاهر.

كما أن المسلم لا يحق له السب والتعدي على الآخرين مهما كانت الدوافع والاسباب لأن مثل هذه الامور خارجة عن الدين حسب النصوص الشرعية الكثيرة.

بل وأكثر من ذلك لا يحق له ان يحدث بما سمع (مما يشين إلى سمعة المؤمنين) وقد قال رسول اللـه (ص): كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع.

وختم فضيلة الشيخ محمد تقي باقر في ليلة الثالث والعشرون من رمضان مجالسه بمناقشة المروي عن الرسول (ص) لأبي ذر الغفاري: يا أبا ذر، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد السنتهم، إنك لا تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت لك أو عليك.

* وفي الاطار نفسه دعا امين عام التجمع في جولته الرمضانية مرشدي الامة الاسلامية الى انشاء مجتمع حضاري متمدن ومتدين في نفس الوقت، لأن الدين هو الضامن الحقيقي لبناء وبقاء القيم الانسانية في المجتمعات.

وقال الشيخ محمد تقي باقر في كلمته التي القاها في مأدبة افطار اقيمت بمناسبة مولد الامام الحسن (ع) في الجنوب اللبناني وبحضور جمع من رجال الدين، قال: الغرب ومن في فلكه يخطط لاختراق اجتماعي إلحادي في المجتمع الاسلامي والشيعي بشكل خاص، تمهيداً لتغييب الدين عن مسرح الحياة.

وأضاف: أن تسليم القيم الانسانية للفكر المادي ونزعها من يد الانبياء ادى إلى ظهور الفلسفة النفعية (البـرغماتية) وسيطرتها على قسم كبير من العالم. حتى صارت القداسة للمنفعة لا للدين والقيم الدينية.

واعترض سماحته في سياق الكلام على دعوة انشاء المجتمع المدني الذي يدعو إليه البعض بقوله: أن الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع الديني يوحي بأنهما لا يجتمعان، وانهما في تناقض في مجال الفكر والحضارة والتمدن.

وهذا ناتج عن عدم استيعابنا للدين ومفاهيمه السامية، أو اننا نسوّق معتقداتنا باسم الدين، ولذلك لم نتوفق لتطبيق المفاهيم، أو بالاحرى نعتبـرها غير قابلة للتطبيق.

وختم كلامه بالقول: اننا بحاجة إلى وعي ديني وقراءة جديدة لتاريخ الرسول (ص) والائمة (عليهم السلام) كي نتمكن من بناء مجتمع ديني ومدني في آن واحد من دون أن يتناقض والفكر والحضارة.