سبق أن قدمنا بين يدي القارئ الكريم دراسة في التمهيد الذي قدم للاتفاقية ـ اتفاقية مكافحة الإرهاب ـ وننتقل هنا بقارئنا الكريم إلى الديباجة التي تصدرت الاتفاقية.

فقد تضمنت هذه الديباجة ما يفهم منه وجود نية حقيقية، وعزم جدي على بلوغ الغاية المتوخاة من عقد هذه الاتفاقية وهي مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره والسعي لمحاصرته تمهيداً للتخلص منه كظاهرة غير طبيعية تنخر جسد المجتمع. ومما يكشف عن هذه الجدية أن الدول العربية بأجمعها لم تكن قد تخلفت أية دولة منها عن التوقيع على هذه الاتفاقية، إذ أن من لا يمتلك الرغبة الحقيقية في مكافحة الإرهاب لم يكن عليه أن يلزم نفسه باتفاق كمثل هذا إذ أنه ليس هناك سيف يوضع على رقبة من لا يريد الإقدام على الإسهام في هذه الخطوة الجبارة، وإن كان البعض يعتبـر التوقيع عليها أمراً إعلامياً يعود نفعه لها.

وبعد الديباجة انتقلت الاتفاقية لتقديم تعاريف وأحكام عامة وذلك ضمن الباب الأول منها والذي عنون بالعنوان التالي:

«تعاريف وأحكام عامة»

تقول المادة الأولى من الاتفاقية: يقصد بالمصطلحات التالية التعريف المبين إزاء كل منها:

1ـ الدول المتعاقدة: ويقصد بالدولة المتعاقدة «كل دولة عضو في جامعة الدول العربية صدقت على هذه الاتفاقية وأودعت وثائق تصديقها لدى الأمانة العامة للجامعة.

2ـ الإرهاب: إن تقديم الاتفاقية تعريفاً لمفهوم الإرهاب حاولت من خلاله ـ قدر الإمكان ـ جمع كل ما يمكن أن يدخل وينضوي تحت ذلك التعريف من مصاديق الإرهاب لهو أمر آخر من الأمور التي تكشف عن الجدية الحقيقية في مكافحة الإرهاب، بخلاف البعض من الدول المتقدمة والتي تدعي قيمومتها على العالم، وغيرها من تلك الدول واللواتي ماطلن كثيراً في تقديم تعريف واضح ومحدد لمفهوم الإرهاب، أو عدم تصديقها على ما يقدم للإرهاب من التعاريف حتى عاش مفهوم الإرهاب تسيباً ـ مقصوداً ولا زال، إذ أن هذا التسيب يخدم أغراض تلك الدول.

لقد عرفت الاتفاقية الإرهاب بالتالي:

كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

على العكس من التعريفات التي قدمت من البعض، وسَّعَتْ الاتفاقية من دائرة الإرهاب ليشمل مصاديق لم تكن دائرة الإرهاب لتشملها في إطار التعريفات المتقدمة في غير هذه الاتفاقية. حيث حصر البعض ـ مثلا ـ الإرهاب في ما يكون باعثه سياسياً من الأعمال دون غيره.

ثم انتقلت الاتفاقية بعد ذلك إلى تقديم تعريف للجريمة الإرهابية.

الجريمة الإرهابية: هي أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات التالية:

أ: اتفاقية طوكيو

ب: اتفاقية لاهاي

جـ: اتفاقية مونتريال.

والاتفاقيات التي سبق ذكرها هي خاصة بالجرائم التي ترتكب على متن الطائرات.

د: اتفاقية نيويورك: وهذه تخص المنع عن الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية.

هـ: اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن 17/ 12/1979

و: اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1983.

إن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لم تكن قد ذكرت جريمة مستقلة معاقب عليها تسمى جريمة الإرهاب، وإنما ذكرت الجرائم التي تعاقب عليها القوانين الداخلية للدول الموقعة على الاتفاقية، ولكن هذه الجرائم قد ارتكبت لأغراض ودوافع إرهابية. وهذا يعني بأنه ليس هناك جريمة خاصة مستقلة يطلق عليها جريمة الإرهاب. فالجريمة العادية فيما لو ارتكبت للأغراض الإرهابية يطلق عليها جريمة إرهابية. فالقتل مثلاً جريمة مستقلة معاقب عليها في القانون، ولكن جريمة القتل هذه فيما لو ارتكبت لأغراض إرهابية تحولت إلى جريمة إرهابية