الشيخ محمد تقي باقر

ذكر الفخر الرازي في تفسيره رواية عن ابن عباس ان الآية المباركة: (الرجال قوامون على النساء… فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن…) نزلت في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع احد نقباء الانصار، فانه لطمها لطمة فنشزت عن فراشه وذهبت الى الرسول (ص) وذكرت هذه الشكاية، وانه لطمها وأن اثر اللطمة باق في وجهها. فقال (ص): اقتصي منه. ثم قال لها: اصبري حتى انظر. فنزلت الآية (الرجال قوامون) أي مسلطون على أدبهن والأخذ فوق ايديهن، فكأنه تعالى جعله أميراً عليها ونافذ الحكم في حقها.

فلما نزلت الآية قال (ص): اردنا أمراً وأراد الله أمراً والذي أراد الله خير. ورفع (ص) القصاص.( الفخر الرازي 10 ص 88 ذيل الآية 34 من سورة النساء).

تأملات في النص

1 – ظاهر النص ان اللطمة (الصفعة) كانت قبل المضاجعة او على أقل تقدير كانت في غرفة النوم وما الى ذلك.

2 – كانت اللطمة قوية حيث أثّرت وكان الاثر باق حتىغداة ذلك اليوم حيث تمكنت من الشكوى والمستند موجود.

3 – وكأن الرسول (ص) أمر بالقصاص لوجود الأثر أولاً – هذا بناءاً على جواز الضرب وإن لم نقل به على الاطلاق- وحيث ان الضرب كان مبرحاً، ولا يجوز للرجل ان يضرب زوجته ضرباً مبرحاً، وهذا باجماع الفقهاء العامة والخاصة.

4 – وقوله (ص) : (اصبري حتى انظر) لعله كان المراد تشكيل محكمة عائلية لحل الموضوع ثم طرح موضوع القصاص، ولو طرح القصاص لما امكن للرسول (ص)  من تهيئة الاجواء للمصالحة او المحكمة العائلية لحل الخلافات.

الا ان الله تباركم وتعالى – ربما- امره بترك الموضوع الجزئي لينتقل به الى الكلي الذي هو حق الزوج على زوجته وحقه عليه، وكما يقول الاصوليون: اثبات الشيء لاينفي ماعداه. فكما ان على الزوجة اشباع حاجة الرجل في المضاجعة ، فكذلك على الزوج ان يعرف حدوده وليس عليه التعدي الى ماليس له حق فيه.

وربما لاجل ذلك ناقش المفسرون عدم حق الزوج في مضاجعة زوجته من الدبر، وجاء التأكيد ليمنع الرجل من هذا العمل اذا كان مخالفا لرغبة الزوجة.

5 – كون الرجال قوامون لا يعني الجواز في الضرب، والسلطة هنا ربما من جهة التشريع وان امرها بيده يعني انه لا يجوز لها الخروج من المنزل او ترك المضاجعة من دون اذنه.

6 – وذيل الحديث من ان الله اراد أمراً آخراً وهو الخير بعينه لا يعني إلغاء القصاص وهو حكم شرعي لا يمكن التفريط به، بل لطرح الموضوع في المجتمع ومناقشته رسمياً وبيان حقوق الزوجين ذكرنا.

اما مافي الآية المباركة فهي – كما هو الملاحظ – مرتبطة بحق الزوج في المضاجعة فقط، وذلك لانه الحق الشرعي للزوج ، وانها التزمت اثناء العقد بالتمكين له في الفراش، وهذا لا يعني خنوعها له في كل شيء او الجواز بضربها ، وهذا ايضاً باجماع الفقهاء ان لا حق للرجل على المرأة إلا في المضاجعة وعدم ترك المنزل من دون اذنه (هذا إذا كان منافياً للتمكين) واما ما يفعله مجتمعنا اليوم حيث المتطلبات الاجتماعية والواجبات المنزلية كثرت واصبح الرجل أميراً يأمرها في كل شيء ويضربها اذا خالفته في أي منها فهو مخالف للشربعة.

وكما نطالب بحق الزوج( ويذهب البعض بحق الظرب)، فكذلك على المجتمع ان يدافع عن حق المرأة اذا ضربت …

      وعلى أية حال، فلا يجوز للرجل ضرب الزوجة في غير احقاق حقه في الفراش (الجماع) حيث تكون المرأة له كالظرف فقط، اما اذا اراد منها التهييج وما الى ذلك من المقدمات و المقبلات و… الذي هو الاصل في العلاقة الزوجية ولاجماع من دونه، فليس له إلا ان يجلب مودتها وذلك لأنه امر قلبي لا يمكن التصرف فيه، وعليه دل قول علي بن ابراهيم القمي (وغيره من العامة والخاصة) في التفسير حيث قال: ولا تكلفوهن الحبّ.

فالحب امر قلبي والشهيق والنفير والمرغبات التي قد تستعملها المرأة (بل ويجب ) لترغيب زوجها على الجماع واظهار حبها له من القلب والرضى وهذا لا يمكن تحصيله بالضرب.

الا اللهم ان يريد الرجل من       زوجته ان تكون ضرفا مكانيا، ولايتوقع منها التعاطي القلبي. فتأمل.

هذا بالاضافة الى كثرة الاحاديث المروية عن الرسول (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) في عدم جواز الضرب.

قال رسول الله (ص): اني اتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب اولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب، فانه فيه القصاص.

وعنه (ص): أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حّروجه سبعين لطمة في نار جنهم.

والنصوص الكثيرة الدالة على مداراتها على كل حال، والتي بلغت فوق حد التواتر سنداً ومتناً. اضف الى ذلك مجموع غفير من الاحاديث المروية في عدم اذلال المؤمن وايذائه والاساءة اليه وما الى ذلك مما قد يطول المقال بذكره.

وأخيراً – وليس آخراً – نسأل مؤيدي الضرب او القائلين به، ونقول لهم: هلا فسرتموا لنا الضرب غير المبرّح؟ وهل يسمى الضرب غير الموجع ضرباً عندكم؟

ثم وماذا يفعل المرء اذا واجه امر كهذا ؟

واتماماً للفائدة نذكر ما ذكره اللغويون في مادة (بَرَحَ) للتأكيد على عدم جواز الضرب.

قالوا بَرَحَ الرجل: غضب. بَرَحَ به الأمر: اذاه اذى شديداً، أتعبه، والبرح: المشقة والشدة والأذى. الأمر المدهش.

البراح: الظهور والبيان والاجهار.

فتأمل من غير تعصب!