معرفة الحق أهون من الإدلاء به

المحامي حيدر البصري

ليس من الصعب ادراك الحق على من لم يعطل عقله عن التفكير، اذ الحق لا يفتقر اداركه إلى عميق فكر بقدر ما يحتاج إلى الموضوعية في سبيل طلبه، ولكن الصعب حقيقة هو الاعتراف بالحق فهذا يعد -في الواقع- أثقل شيء على الانسان، وبه ضل الكثير.

هذا النهج هو النهج الغالب في طريقة البشر من اول الدنيا والى يومنا هذا، والسبب في هذا الكتمان لجانب الحق يعود إلى وجود موانع جمَّة تقف دونه كالسد المنيع.

فالأنيّة سجن فولاذي صغير يحجب النفس الانسانية دون التفوه بالحق، فالأنيّة ترفع من شأن النفس الانسانية، وتوصلها إلى درجة العصمة حسب تصويرها ولذا ليس من الهين على هذه النفس التي ارتقت إلى مستوى كهذا ان تعترف امام الملأ بانها كانت يوماً على خطأ.

ثم ما زرعه الآباء في عقول الأبناء منذ نعومة اظفارهم من عقائد وإِحاطتها بدائرة حمراء تحظر على الفكر الولوج لساحتها والنقاش فيها من الموانع العتيدة دون بلوغ الحق.

وغير ما ذكرت كثير مما لا غرض لي في التوغل فيها انما اكتفي بالاشارة المفيدة إنما غرضي هو القول بانه، ليس هيناً على الانسان رفع عقيرته والاعلان بالحق، فهذا يحتاج ثورة، ثورة عارمة تبدأ من داخل النفس الانسانية لتحطم قضبان سجنها، تخلصها من نير المركب من جهلها، لتنطلق بها إلى ساحة الفكر الحر، ساحقة كل ما يقف دون بلوغها نور العلم، فالشجاعة هنا هي شجاعة النفس ذاتها تلك الشجاعة التي وصل بها عظماء العالم إلى ما وصلوا اليه، فقد خلدهم التاريخ باحرف من نور، وذلك انهم فرضوا انفسهم على صفحاته المشرقة فرضاً بنبذ المواقف السابقة ليكون التكفير صدحاً بالحقيقة.

مثل هذا ما وصل اليه الكاتب الانكليزي الشهير (برناردشو)، فبرناردشو التقى -يوماً- واحداً من علماء المسلمين (الشيخ عبد العليم الصديقي) يحاضر في (فلسفة السلام) في بلد من البلدان، ففاجأه برناردشو بقوله: (دار حديثك حول فلسفة السلام وقد كان الاجدر بك ما دمت مسلماً لو تحدثت عن فلسفة الحرب، لان الاسلام انما انتشر بحد السيف).

فهذه الافكار هي التي تغذى بها برناردشو منذ نعومة اظفاره، وهذا ما حدى بالشيخ إلى ان يحاول تصحيح ما ركز في ذهن برناردشو، ولكن الاخير رد أيضا بقوله (قد نقر سيادة كثير من ضروب الفهم للاسلام، لكن.. هل توافقك الجماهير المسلمة على تفسيرك؟ وهل يعتقد هؤلاء ان الاسلام لم يسبق له ان انتشر بالقهر؟

هذا هو موقف برناردشو السابق من الاسلام، ولكن هذا المهاجم العنيد لم يتوان عن التكفير عن موقفه هذا برفع الحقيقة امام الملأ -عند انكشافها له- قائلاً:

(ان اوربا بدأت تحس بحكمة محمد(ص)، وبدأت تعشق دينه، وسيكون دين محمد(ص) هو النظام الذي يؤسس عليه دعائم السلام والسعادة.. فقد نادى الاسلام بالحرية، والأخاء، والمساواة، ورسم وسائل تحقيقها، وأقام موازين الحق والعدل والانصاف).

بناء على ما تقدم نقول، ليس كل من عرف الحق ارتقى من خلاله.