اجمع المؤرخون على ان اهل مكة لم يحاربوا رسول الله(ص) بعد فتحها، وانما رضخوا للحكم الاسلامي من دون استعمال القوة والسلاح.

ماذا حدث في مكة عند الفتح؟

وكيف ترك اهل مكة الصراع المرير مع الرسول(ص)، والمسلمين ولماذا؟

يقول المؤرخون: امر رسول الله(ص) اصحابه وامراء عسكره ان يحيطوا بمكة وان يدخلوها من جميع الابواب، وان يكفوا عن القتال…

ونادى مناد: اليوم يوم المرحمة، اليوم تحمى الحرمة.

ثم التقى بابي سفيان -مع كل ما يذكره التاريخ من حقده على الرسول وحثه على الحرب مع المسلمين- وقال له: تقدم إلى مكة واعلمهم بالامان.

ونادى منادي الاسلام:

من دخل المسجد الحرام فهو آمن.

من اغلق بابه فهو آمن.

ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن.

ولم ينته الأمر إلى هذا الحد فقط، بل دخل المسلمون إلى مكة وعيونهم تدمع من شدة الفرح، لا للفتح والرجوع إلى الديار، ولا للوصول إلى الحكم بل للنصر المؤزر من عند الله والمتوج باسلوب قل نظيره في التاريخ، وهو اسلوب السماح والعفو العام.. واسلوب اللاعنف وسماع الرأي الآخر…

وكان السجود لله سبحانه وتعالى اول عمل قام به رسول الله(ص) والمسلمون بعد الفتح شاكرين الباري تعالى على الثورة البيضاء الخالية من العنف والدمار والقتل. ولم ينقل التاريخ حوادث اشتباك وعنف،ولا مصادرة للاموال، ولا… مما يفعله الفاتحون والثوار عند الغلبة.

يذكر التاريخ: انهم دخلوا مكة متجهين الىالكعبة المشرفة والطواف من غير خوف واضطراب و… وفي الطواف، وبعد ما دخلوا قلوب المشركين من اهل مكة، اخذ الرسول(ص) بكسر الاصنام وبدأت مرحلة التغيير ونشر راية الاسلام، و بعد الطواف اعلن الرسول منشور حقوق الانسان في خطبة غراء قال فيها: إن الله قد اذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية والتفاخر بآبائها وعشائرها، ألا انكم من آدم وآدم من تراب، ان اكرمكم عند الله اتقاكم.

ثم نادى بأعلى صوته: أذهبوا أنتم الطلقاء.

ولم تكن الحادثة هي الوحيدة في سيرة الرسول(ص) وتاريخه، بل كان يهتم لتطبيق دعوته إلى الاخوة، والعدالة الاجتماعية، والمضي قدماً نحو الصلح، والتغاضي وبناء المجتمع على اساس احترام الرأي والرأي الآخر وإن كانت جارحة.

فكان(ص) السلم المطلق مع الجميع وحياته مليئة بمواقف في اللاعنف مع الموافق والمخالف ومن دون استثناء.

وبهذا الاسلوب المدعوم الهياً والنصر المؤزر تمكن من بسط السيطرة على البلاد وكانت الفتوحات يتلو واحدها الاخر، والكل يقبل فكر التوحيد ومبدأ العدالة والتسامح، ولم يسجل التاريخ حادثة عنف استعملها رسول الله(ص) ضد احدٍ على الاطلاق، وانما هناك المئات من المواقف العنيفة التي جوبه بها من اشقاءه وزوجاته، والمنافقين والاعداء وهو يواجههم بقوله المعروف: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون.

وعليه، وبمناسبة ذكرى مولده الشريف اتوجه إلى حملة الفكر والقلم، ورجال العلم والحكمة، والسياسيين الشرفاء وحملة السلاح كافة، والى شرائح المجتمع الاسلامي ملتمساً منهم:

اولاً: عقد مؤتمرات وندوات فكرية في سبيل اعادة النظر ودراسة مواقف الرسول الكريم(ص) واسلوب حكومته ودعوته الاصلاحية.

ثانياً: تحمل المسؤوليات وبذل الجهد لتوجيه شرائح الامة إلى تطبيق اللاعنف في المجتمع الاسلامي.

ثالثاً: سماع واستماع الرأي الآخر وان كان جارحاً.

رابعاً: السعي للاحترام المتقابل وعدم ابداء الرأي الجارح.

خامساً: العفو عند القدرة عن المخالف، وعدم الانزلاق في التوافه التي تعرض استقرار امن الدول الاسلامية إلى الخطر وبالاخص الامور التي لا تُحمد عقباها.

وأخيراً وليس آخراً نبذ اشكال العنف والارهاب وعدم استعمال السلاح مهما بلغت الظروف، واستبدال حالة العنف بملكة اللاعنف.

واختم كلامي بهذا القول: ان من رقي الدول قلة الاعدامات والاحكام الجائرة في حق من ليس له ناصر إلا الله.

وهذا واجب الجميع، وسوف نحاسب عليه.

والعنف يولد العنف وكما تدين تدان، والحمد لله رب العالمين.

محمد تقي باقر