المحامي نزار حبيب الموسوي

كان مريضاً يتكئ على عصاه وقد شاهد بأم عينيه مقتل أبيه واخوته وجميع اهل بيته وبقي في الصحراء والنار تلهب الخيام والاطفال، سبي ونقل من بلد إلى بلد وحمل على اقتاب الأبل والجامعة في يديه ورقبته، والحبال متصلة بعماته واخواته سار وسوط العذاب يلدغ ظهره والجامعة تحز وريده ساروا بهم والناس تنظر اليهم ما بين شامت وحاقد وجاهل، يتصفح وجوههم القريب والبعيد، الشريف والدني دخل إلى بلاط الخليفة وبدأ الخليفة المنتصر يتقمص دور الطاووس، وخوف السبايا من المجهول يصعق ارواحهن، آذانهم تسمع الفحش واعينهم ترى المتشفي الشامت، ملئت قلوبهم وعقولهم بذل السبي وعادوا إلى ديارهم تنوء ظهورهم بثقل الامانة، اطفال، ايتام، نساء، ارامل، رسالة مذبوحة، لو كنت انت ماذا تفعل؟ هذا هو حال الامام زين العابدين علي بن الحسين(ع) بعد عاشوراء ومصرع ابيه، ضمن الواقع ومنطق العصر، الانتقام من الظلمة وله الحق ان فعل (ولكم في القصاص حياة يا اولي الألباب). لكن عقل وسياسة الامام فوق هذا، تعرف بحكمة الهية في طريقه ايصال المظلومية، وكشف زيف السلطة الحاكمة، وبيان اهداف الرسالة عن طريق ربط القنوات الروحية مع قلوب الاخرين فهو العابد المسمى بزين العابدين والساجد المسمى خير الساجدين، كان يخشى الله إذا توظأ اصفر لونه تقول جاريته ما فرشت له ليلاً ولا اتيت له بطعام نهاراً، قاسم امواله مرتين مع الفقراء إذا انقضى الشتاء تصّدق بملابسه وكذلك في الصيف استشهد سلام الله عليه فوجد على ظهره قطعة سوداء اثر حمل الطعام ليلاً وكان متلثماً حتى قال اهل المدينة (ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين(ع)، وكانت هذه اخلاقه منذ الصغر فعندما كان عمره سبع سنوات ذهب إلى الحج ماشياً فسأله احدهم يا ولدي اين زادك واين راحلتك فقال: (زادي تقواي وراحلتي رجلاي وقصدي مولاي) فإلى جانب هذا والقيادة والحنكة السياسية والشجاعة وحسن الخلق اختار طريقي الدعاء والبكاء وهما سلاح الانبياء كسلاح يذيب القلوب قبل ان يذيب الابدان وبكاءه عليه السلام على قسمين:

1- بكاء عبادي من خشية الله ولقد بكى حتى خيف على عينيه وقيل له انك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا.

2- بكاء سياسي وتمثل ببكاءه على امامه الحسين(ع) فنراه ما ان جلس بمجلس حتى ذكر استشهاد ابيه الحسين(ع) وسبي اهل بيته وما اكل او شرب حتى خالط اكله وشربه بدموعه.

ولم يكن الامام علي بن الحسين ضعيفاً عاطفياً يبكي من شدة شوقه لفراق ابيه، لا، بل كان قائداً سياسياً استخدم اسلوب اللاعنف في استرجاع حقه واستكمال دور الرسالة لا سيما وانه زامن جبابرة عصره، ولشدة خطر نهج الامام هذا على حكم الخلافة اشار الحجاج على الخليفة عبد الملك بن مروان (ان اذا أردت ان يثبت ملكك فأقتل علي بن الحسين) فأجابه أجنبني دماء بني هاشم وأحقنها فأني رأيت آل سفيان لما اولغوا فيها لم يلبثوا إلى ان ازاله الله.

ومن خلال تعامله مع القلوب اوضح حقيقة المظلوم امام الاخرين بحيث ترى وتسمع مباشرة أي كأنك مقابل التلفاز هذا اليوم. وكان من نتائجه ان وقعت الثورات المطالبة بدم الحسين(ع). والرافضة لحكم بني امية ومنها:

1- ثورة التوابين سنة 65هـ، في الكوفة الذين خرجوا ينادون يا لثارات الحسين.

2- ثورة المختار في الكوفة سنة 66هـ . وقيامه بقتل قتلة الحسين(ع).

3- ثورة زيد الشهيد وأخيه يحيى.

4- ثورة اهل مكة بقيادة عبد الله بن الزبير.

5- ثورة المدينة التي استشهد فيها غسيل الملائكة عبد الله بن حنظلة في وقعة الحرّة.

ماذا نستنتج من هذا، ان اللاعنف سلاح اذا حسن استخدامه يأتي بافضل النتائج لانه يتعامل مع القلوب والعقول بأفكارها وعواطفها بينما العنف يتعامل مع الابدان والابدان بلا عقل وعاطفة لا يمكن ان تحقق اهدافها بل نتائجها عكسية لذلك من الطبيعي ان تكون نتائج هذه الثورات إضعاف سلطة الحكومة الظالمة وتسهيل مهمة اعادة الاحكام الاسلامية.