الحلقة السادسة

الاسلام ورفض التجزئة

اسس الاسلام منهجاً في معالجة الامور يعتمد هذا المنهج على الحوار الهادئ، ولم يخص الاسلام باسلوبه هذا ميداناً من ميادين الحياة دون آخر منها إنما غرس الغرس لمنهجه هذا واراد له النمو في كافة اصعدة الحياة.

فالاسلام اراد للنفس الانسانية ان تبدأ من الداخل في معالجة شؤون الحياة كافة بالحكمة والتعقل، وتمارس من داخلها في مواجهتها لما يعن لها من مشاكل، ثم ينطلق اسلوب المعالجة هذا ليدخل ميدان الاسرة ثم يسري إلى المجتمع الذي يعيش فيه الانسان وبعدها إلى العالم كافة، فجميع ما مر ذكره من الميادين قد نال نصيبه من هذا النهج الاسلامي القويم في ظل النظرية الاسلامية، ولم ينفرد به احدها على حساب الآخر. فالمنهج هو منهج عام متماسك يأبى التفكيك والتجزئة.

الامر المؤسف هو اننا نرى البعض يمارس التجزئة في تطبيقه لهذا المنهج، ففي الوقت الذي نراه حريصاً اشد الحرص على التزام جانب الموضوعية والنقاش العلمي على ضوء تعاليم الاسلام في التعامل مع آراء الآخرين إلى جانب سعة الصدر التي لا مثيل لها في مقابل تلك الآراء. نرى التفريط على اشده من جانب الاسرة، فهذا البعض بمجرد ان تطأ قدمه ساحة منزله يخلع ذلك الثوب الجميل الذي كان يرتديه خارج حدوده ليرتدي لامة حربه، فالبيت بالنسبة له ساحة حرب ومعترك لا محل فيه للنقاش والتفاهم، ولماذا النقاش والتفاهم؟ ولأي شيء يجهد الرجل نفسه؟ هل في المقام من يستحق ان يعطيه من نفسه؟ كلا انها المرأة وليست المرأة في قاموس هذا البعض سوى مملوك لا مجال للتفاهم معه لانه لا وجود لرأيه أساساً في مقابل رأي سيد البيت ان هذا السلوك لم يكن ناشئاً من العدم انما له اسبابه ومن اسبابه على سبيل المثال:

العبودية غير المعلنة للعادات والتقاليد التي لا يزال يخضع لها هذا البعض إلى عصرنا الحالي، فهو اسير هذه العادات فنقاش الامور والتفاهم مع العائلة ضعف يحط من مكانته امام الآخرين واتخاذ المشورة الصحيحة من العائلة يقلل من شأنه وسلطانه، فهو الحاكم المطلق، أو يستند على (شاوروهن وخالفوهن) والذي لم يفهم الفهم الصحيح فهل يعقل المخالفة حتى للصحيح من الآراء التي تبديها النساء؟

فلو فرضنا ذلك فهو حض على اتباع الخطأ وهذا ما لا يقبله العقل ولا المنطق فالمخالفة تكون على فرض المشورة الخاطئة، ان هذا يعد في واقعه تجزيء في قبول وتطبيق احكام الاسلام وهو منطق مرفوض جملةً وتفصيلاً بمنطق القرآن فقد ورد في القرآن الكريم ذم للذين قاموا بهذه العملية -اعني عملية التجزئة- بقوله تعالى: «افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي…»، فالاسلام يكون بقبول جميع ما جاء به الرسول الكريم(ص) عن الله تعالى: «ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»ف  (ما) تفيد العموم والأخذ يجب ان يكون بجميع الاحكام لا الأخذ بالبعض دون البعض الآخر وعليه فمن يحاول تطبيق النظريات الاسلامية عليه التطبيق في كافة الميادين بدءً من ساحة النفس مروراً بالاسرة والمجتمع وانتهاءً بالعالم كافة، بل يتأكد التطبيق في الاسرة لأنها اللبنة الاولى التي بنى عليها الاسلام بنيانه فان صلحت صلح المجتمع بأسره وذاق الناس حلاوة التشريع الاسلامي ونظرته للحياة، وان انعكس تطبيق هذه النظريات فسدت المجتمعات وباتت المجتمعات بعيدة كل البعد عن منهجية الاسلام ونظرته للحياة.

اسراء الخالدي