كنت مع والدي (دام عزه) في زيارة الى بعض اهل الفضل و الادب من رجالات الحوزة العراقية و دار الحديث حول الوضع القائم و ما ذهب اليه الكثير (عفوا القليل) من الفصائل. و الاتفاقيات التي ابرمت (في ظل تسابق قل نظيره) مع من كان يعد العدو اللدود و الشيطان الاكبر، و كانت العلاقة معه تعتبر عمالة، و…

فقال العالم الجليل: افضل طريقة لضرب النظرية هي تشويه النظرية. و ما ذهب اليه البعض (في السر و العلن) ليس الا عملا انتحاريا يقضي عليه و على كتلته.

فسألت: و لماذا هذا التسارع الى مثل هذه الاتفاقيات و التي في بعضها ـ كما تقول اوساط مطلعة ـ توقيع على بياض و البصم بجميع الاصابع و الثمن من ممتلكات الشعب و جيل المستقبل؟

فقال العالم: سئم الناس و الفصائل و اصبح اليأس حليف من يعمل في الصراع السياسي.

و تدخل والدي ليقول: هذا ان قلنا انهم يعملون لمصالح سياسية و وقتية، يريدون بها الفوز و الاستيلاء على الحكم، اما لو قلنا بانهم يعملون حسب التكليف الشرعي فلا مجال لليأس حينئذ، اذ (على المرء ان يسعى بمقدار جهده، و ليس عليه ان يكون موفقا).

قلت: و هكذا يقولون مع اختلافاتهم العميقة و الكثيرة، و لم اسمع منهم من يقول: الوضع السياسي و الاقليمي يتطلب ازاحة.. بل وكلهم (من دون استثناء) ينادون بالعمل حسب التكليف الشرعي.

و انقطع كلامي بـ: (انت بعدك شاب و تتصور كل ما يقولون هو الواقع!).

و تدارك والدي الوضع ليضع حدا لاستغرابي من هذا القول و قال: ولدي: هناك فوارق بين النظرية و التطبيق. و القول و العمل، و الشعارات التي تطلق للاستهلاك المحلي، و الواقع المعاش اذا ما كل ما يقال ممكن في مجال التطبيق.

و الفصائل السياسية المعارضه لبلد ما تحتاج الى هدف و وسيلة، فالهدف هو اسقاط نظام او حاكم معين في بلد معين، و الوسيلة منحصرة في قدرات ثلاث هي: القدرة السياسية (الاتفاقات الدولية) و القدرة الميدانية (الكوادر) و القدرة المالية.

فلو لم يكن الثالث لقل التوفيق في الثاني، و لو لما يكن الثاني لاستحال الاول، و الاول: لا يمكن الا بشروط و شروط و شروط، و التي منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ بيع الثاني بالاول، و هكذا.

فقلت لهما: اذن لو كان العمل حسب التكليف الشرعي فلا نجاح: و العمل السياسي لا يخرج عن احدى هذه الثلاث فما هو الحل؟

ابن الشيخ