«السلم» أصل وعلى المعارضة إعادة النظر في «العمل المسلح»

سماحة الشيخ محمد تقي باقر، من مواليد مدينة كربلاء عام 1957 ميلادية، تنقل في البلدان لنشر رسالة الاسلام، وهو يناضل من اجل ترسيخ تعاليم الاسلام الحضارية، والدعوة الى السلم ونبذ العنف، وتطبيق مناهج وقيم الاسلام في الوحدة الاسلامية والحرية والشورى والتعددية السياسية، له مؤلفات عديدة منها «الانسان بين العلم

والعمل» الامام الحسين (ع) استراتيجية، والتكتم في الاسلام.

التقيناه في لندن عائد من رحلة عمل في الولايات المتحدة الاميركية الى مقر عمله الدعووي في بيروت، وكان هذا الحوار:

الرأي الآخر: رفع تجمع المسلم الحر شعار اللاعنف، هل هذا شعار مرحلي أم انه أصل وقاعدة؟

الشيخ محمد تقي باقر: بسم الله الرحمن الرحيم.

المستفاد من كثير من الروايات الواردة عن النبي محمد (ص) والامام علي (ع) وكذلك عن الامام جعفر الصادق (ع) ، ان اللاعنف اصل، وهي صفة من صفات المؤمنين والشيعة، كما ورد في الحديث: من صفات المؤمن اللاعنف».

السلم سبيل النجاة

الرأي الآخر: ما هي الطرق المناسبة لاشاعة مبدأ اللاعنف والسلم؟

الشيخ باقر: هناك مشكلة عرضناها للاستفتاء في صحيفة السلام المتحدثة باسم التجمع، وهو: «كيف نقنع الرأي الحاكم بالرأي الآخر؟».

فالرأي الحاكم غالباً ما يستبد في وضعه بحيث لا يفسح المجال للرأي الآخر كيف يتنفس، وهذا اشكال يرد على الحاكم وهو على سدة الحكم، فالناس لا تتحمل استبداد الشخص، فاذا فسح الحاكم او الحزب الحاكم المجال دستوريا للرأي الآخر وبصورة قانونية ودستورية، واذا وجد الحاكم تجمعات تدعو الى العنف عليه ان يبحث عن تجمعات او فئات اخرى من داخل المجتمع الواحد تدعو الى السلم واللاعنف، فيقوم بترغيبها ودعمها.

ولا شك ان هذه العملية الايجابية ضمان لبقاء واستمرار الحكم واستقرار المجتمع، فالناجح في الحكم او في المعارضة او في غيره هو الذي يدعم فكرة اللاعنف في مواجهة اللاعنف وبطريقة دستورية وسلمية.

وتتمكن منظمات اللاعنف ان تلعب دور الوسيط بين المجتمع والسلطة الحاكمة، وبين الاحزاب المعارضة والسلطة الحاكمة، والاحزاب الحقيقية التي ترغب في ان تحيا وتصل الى الحكم بطريقة دستورية وسلمية ينبغي عليها ان تدعم فكرة اللاعنف وتساهم في نشر ثقافة السلم واللاعنف، ولا شك ان سياسة الحمائم والصقور موجودة في كل قضية.

انظرو الى الدول الاسلامية فانكم لا تجدون حزباً او منظمة مختصة بالدعوة الى اللاعنف، فهل عجز المجتمع عن ذلك؟ ام عجزت الدولة عن ذلك؟، ام خلا المجتمع من افراد يؤمنون بفكرة اللاعنف؟ الكثيرون يؤمنون بفكرة اللاعنف، ولكن المشكلة ايجاد منظمة تسعى لنشر ثقافة السلم.

الرأي الآخر: اللاعنف مسألة فطرية انسانية؟الشيخ باقر: نعم.. طبيعي.. وهذا رسالة الانبياء وهي مسألة فطرية.

فالحكام الذين يعتقدون انهم جيدون في الحكم، لماذا لا يؤسسون او لا يدعمون شخصيات اللاعنف او يفسحون المجال لتأسيس منظمات في اللاعنف.

رأيت في اميركا اكثر من مائة منظمة تدعو الى السلم واللاعنف، ولكن في امريكا!، ولم تكن واحدة في الدول الاسلامية، مع ان الدول الغربية عادة لا تستعمل العنف مع شعوبها.

4نقل مسؤول كبير في الخارجية الاميركية يهتم بشؤون الشرق الاوسط في معهد السلام الدولي التقيته في زيارتي الاخيرة لاميركا، انه عندما حصل الخلاف حول فرز اصوات الناخبين الاميركيين في ولاية فلوريدا الاميركية، فان الكونغرس الاميركي بعث جيشاً من المحامين الى فلوريدا، لاحظ ان المسؤول استعمل كلمة جيش، بعثهم ليلاحظوا ويراقبوا مجريات الانتخابات عن كثب ويخرجوا بحل دستوري للخلاف دون تضييع حق ايا من المرشحين بوش وآل غور، وقال المسؤول نفسه في بيان وجه المقارنة حول الانتخابات التي جرت في مصر مؤخراً ان الحكومة المصرية بعثت جيشاً، ترى هل ارسل الجيش المصري لحل مشكلة ما، او لأمر آخر؟

هنا المشكلة، في الغرب يهتمون بفكرة اللاعنف وتحاول التجمعات نشر هذه الفكرة، ولكننا في الشرق نجهل هذه الفكرة، فعلى سبيل المثال، حاولنا مع قسم من الجماعة الاسلامية كما حاول معهم آخرون لانتهاج سبيل يبتعد عن العمل العسكري والعنف، وينتهج طريق السلم واللاعنف، وقد نجحنا في ذلك والحمد لله.. ولكن أتساءل من الذي دعم او استقبل هذا القسم.

الحكومات لا تستقبل مثل هذا التوجه، لأن الرأي الحاكم غير مقتنع بوجود الرأي الآخر، والا استقبل او دعا الى التأسيس، في الدول المتحضرة تسمح بتأسيس التنظيمات والاحزاب شريطة عدم التزامها بالعمل المسلح، وقد حاولت في اكثر من خمس دول اسلامية لتسجيل «تجمع المسلم الحر» الذي يدعو الى اللاعنف ولم أر جوابا ايجابيا.

الاسلام انتشر بالكلمة الطيبة

الرأي الآخر: هل تعتقدون ان الاسلام انتشر سلميا ام بالسيف كما تروجه له بعض الدراسات الاستشراقية؟

الشيخ باقر: لا شك ان الاسلام انتشر بالسلم وعبر العمل الثقافي، وليست عندنا ادلة بان الاسلام انتشر بالسيف، والحديث الوارد بان الاسلام انتشر باموال خديجة وبسيف علي (ع) ، لا يشير الى مسألة الانتشار بالسيف كقوة مهاجمة، فحروب الرسول (ص)       كانت دفاعية، والامام علي (ع) استخدم السيف للدفاع عن الاسلام والدولة الفتية كما تم استخدام مال خديجة (ع)       في نشر الاسلام وتوعية الناس وهدايتهم الى الطريق السوي، فالقدرتان المالية والعسكرية المشار اليهما في الحديث كانتا من الاسس التي دعمت الموقف الثفافي والعمل التوعوي الاسلامي، ونشر الرسالة الخاتمة التي اتى بها النبي الاكرم (ص).

الرأي الآخر: نفهم من هذا ان الحروب التي خاضها الرسول (ص) ، كلها كانت دفاعية؟

الشيخ باقر: قطعا.. قطعا.

الرأي الآخر: هذا يجرنا الى الحديث عما يعرف في التاريخ بالفتوحات الاسلامية، فماذا نسميها؟ ألم تكن هذه حروبا هجومية؟

الشيخ باقر: انظرو.. عندما أخذ الرسول (ص)  بنشر الاسلام، بعث برسائل الى زعماء الدول وعرض عليهم فكرة الاسلام، ولم يبعث بجيش، في زمن الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام كان سبيل الدعوة الاسلامية بطرق ثقافية توعوية، وكان كل رسول او مندوب مبتعث من قبل النبي (ص) ، مثقفا عالما فاضلا، بحيث كان الموفد اليهم حاكما او قبيلة يدخلون معه في نقاش وجدال وحوار لمعرفة الدين الجديد ومواصفات الرسالة والرسول.

وهذه الرسائل والمراسلات والكتب كلها مثبتة في كتب التاريخ، وليس فيها أية دلاولة على ان في هذه الكتب أي تهديد او أي شيء يفهم منه انتشار الاسلام بالسيف، والفتوحات انما حدثت في عصر الخلفاء، على ان قسما كبيرا منها حدثت لان الدول الاخرى تمنع وصول ثقافة الاسلام الى الشعوب، لذلك ولدت ردود فعل من الجانبين انتهت الى الحروب والفتوحات.

العمل السياسي والعمل الحزبي

الرأي الآخر: انتم تنتمون الى مدرسة الامام الشيرازي، وسماحته من دعاة قيام الاحزاب الدينية والوطنية، فكيف نوفق بين رفضكم العمل السياسي من خلال السلطة وبين قيام الاحزاب؟

الشيخ باقر: انتماؤنا الى مدرسة الامام الشيرازي ثابت في نظامنا الداخلي، وكل مدرسة لها تقسيماتها وتفريعاتها، فالاحزاب احدى التفريعات، ومن هذه التفريعات التنظيمات المشرفة على عمل الدولة ومن خارج اطار الدولة ونحن منهم.

نحن نفتخر بأن نبذل جهدنا بان نكون مشرفين على تطبيق القانون الاسلامي الذي يدعو الى السلم والى اللاعنف، فليس هناك تناقض بين اهداف تجمعنا وأية جماعة من هذه المدرسة تدعو الى العمل الحزبي وقيام النظام الاسلامي واقامة دولة اسلامية في أي بلد، نحن نسقط حقنا في استلام الحكم حتى نبقى مشرفين في كيفية التطبيق، لان كيفية التطبيق بحاجة الى افراد ايضا، نحن نلتفت الى هذا الجانب الذي ربما نسته الكثير من الفعاليات الاسلامية.

الرأي الآخر: أفهم من كلامكم، انكم لا تمانعون من قيام حكومة اسلامية في عصر غيبة الامام الثاني عشر المنتظر المهدي عجل الله ظهوره الشريف؟

الشيخ باقر: ابدا.. ابدا.

هل تعتقدون ان نظرية سماحة الامام السيد محمد الشيرازي في الحكم والدولة، صالحة لهذا الزمن؟

الشيخ باقر: اذا تأمل الانسان في كتب سماحة الامام الشيرازي قليلاً، يرى ان النظرية متكاملة والاثباتات كثيرة ودامغة تذهب الى صلاح هذه النظرية، وهي لم تكن وليدة ظروف سياسية معينة، وسماحته كان يعرضها منذ اكثر من ثلاثة عقود، فعلى سبيل المثال فان كتابي «الشورى في الاسلام» و«الحرية الاسلامية» رأيتهما بخط سماحة الامام الشيرازي في دفاتر مدرسية من عهد حكم عبد الكريم قاسم           (1958 – 1963م)، حيث جرت العادة في الحكم الملكي والحكم الجمهوري ان توضع صورة الملك او الزعيم في مقدمة الدفتر المدرسي.

وكذلك كتاب «كلمة الاسلام» وهي نظرة متكاملة عن الاسلام والحكم لسماحة الشهيد الامام السيد حسن الشيرازي – شقيق سماحة الامام محمد الشيرازي، اغتيل في بيروت عام 1980 م – مكتوب منذ ثلاثين عاماً تقريباً، وهي لم تأت برد فعل من حوادث معاصرة.

هوية تجمع المسلم الحر

الرأي الآخر: الى أي مجتمع او بلد ينتمي «تجمع المسلم الحر»؟

الشيخ باقر: تجمع المسلم الحر، على ما تقول عنه مراكز البحث هو تجمع اسلامي وحيد، فيه صفتان، الاولى ان كل اعضائه الرئيسيين علماء دين شيعة امامية.

الرأي الآخر: هل هذا شرط في العضوية؟

الشيخ باقر: الشيخ باقر: لا.. وانما التأسيس تم على هذه الشاكلة، فليس التشيع شرطاً في العضوية، ونحن نقبل العضوية عبر الانترنيت ولا نشترط مذهبا او جنسية خاصة.

الصفة الثانية: إعادة عرض فكرة اللاعنف في المجتمع المسلم وخاصة المجتمع الشيعي الامامي.

نحن نرى ان المجتمع الاسلامي الامامي الاثنا عشري مجتمع له حضارة اسلامية عريقة يتخذ كل دساتيره من الائمة الاثني عشر المعصومين الذين هم السند الصحيح والسليم المتصل برسول الله (ص) ، ففي بيوتهم (ع)       نزل الوحي.

من هنا فان علماء الدين الشيعة يبذلون كل جهدهم ليبثوا فكرة الاسلام الصحيح وهو اسلام السلم مطلقا واللاعنف مطلقا، والكي آخر الدواء.

الرأي الآخر: هل نستطيع اعتبار «تجمع المسلم الحر» حزبا اسلاميا يضاف الى بقية الاحزاب الاسلامية في المنطقة؟

الشيخ باقر: هو تجمع بما للكلمة من معنى، نعم له نظام داخلي وهيكلية ادارية وسياسية واجتماعات دورية سنوية، لكنما ليس حزبا هدفه الوصول الى السلطة، لان من اهم اهداف الاحزاب والتنظيمات الوصول الى السلطة، بينما تجمع المسلم الحر نتشرط في عضو التجمع البقاء في التجمع وعرض افكار اللاعنف والابتعاد عن العمل السياسي من خلال دوائر السلطة، واذا دخل في السلطة يفترض فيه الاستقالة، لاننا نخشى على عضو التجمع تحاشي عرض فكرة اللاعنف والسلم اذا ما صار رقما من ارقام السلطة، وانما نريده ان يكون مراقبا للسلطة ومرشدا للاسلام ولأفكار اللاعنف.

الرأي الآخر: هل يحق لعضو التجمع الانتماء لحزب سياسي آخر خارج السلطة او في المعارضة، أي القول بالثنائية؟

الشيخ باقر: الانتماء الى التجمع هو الالتزام بمبدأ اللاعنف، ولا تنافي العضوية في التجمع الانتماء الى أي حزب آخر، والانسان حر في ان يكون عضوا في أي حزب او عدة احزاب.

الرأي الآخر: الحزب وهو خارج السلطة المعتمدة شعبيا يقوم بدور المراقب لعمل السلطة، وانتم ايضا تقومون بدور المراقبة، فأين تلتقون؟

الشيخ باقر: الحزب المعارض يقوم بدور المراقب للنظام، ونحن نقوم بدور المراقب لتطبيق اللاعنف والعمل السلمي، ومراقبة حقوق الانسان من جميع جوانبها.

السلم وانتفاضة الاقصى

4الرأي الآخر: جاء في فقرة من بيان لسماحة الامام الشيرازي حول «انتفاضة الاقصى» دعوة الى تحويل التظاهرات العنيفة الى تظاهرات سلمية لأنها تقرب من طريق النصر، هل أفهم من هذه العبارة دعوة سماحته للفلسطينيين للتخلي في تظاهراتهم حتى عن الحجارة؟الشيخ باقر: كنت رسولاً من قبل سماحة الامام الشيرازي الى السيد ياسر عرفات عام 1981 م قبل الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982م، وقد حملت اليه رسالة شفهية عند لقائي به في بيروت، وقد أشار اليها سماحته في كتابه «فقه السياسة»، وكان فحوى رسالة سماحته تدعو كل فلسطيني لان يأخذ بيد اولاده واسرته او والديه، وينضموا في مظاهرات سلمية بحتة منطلقين الى منازلهم المحتلة لاخذ حقوقهم، لكن السيد عرفات رفض هذا الطرح.

في تصورنا ان الشعب الفلسطيني اذا كان يهتم منذ البدء بالمطالبة بحقوقه المغتصبة مصحوبة بعمل اعلامي وسياسي واسع لاطلاع الرأي العام الدولي على الصورة الحقيقية للظلم الذي يلحق بالفلسطينيين، ووسائل العنف التي يستخدمها الاسرائيليون، لكان الوضع غير ما نشاهده اليوم.

فلو توجه الفلسطينيون كأسر كاملة في تظاهرة سلمية حاشدة نحو منازلهم المغتصبة، كان من المستبعد ان تكون للاسرائيليين القدرة بان يستعملوا وسائل القمع المستعملة اليوم، ربما قتلوا من الفلسطينيين مائة او مائتين ليس أكثر، وكان الشعب الفلسطيني سيحصل على دعم عالمي للوصول الى اهدافه، بينما رفضوا هذا العرض اوالطرح، واهتموا بالعمل العسكري، والكثير منهم باعوا القضية الفلسطينية، واليوم مثلا في الوقت الذي تصل الانتفاضة في طريقها الى مرحلة مثمرة، هناك في الوقت نفسه بيع للقضية من خلال مفاوضات غير منتجة.

الطرح الاسلامي والانساني هو الطرح السلمي، فعندما يبدأ غاندي في الهند العمل السلمي، فهو عندما ينحني للجيش البريطاني المحتل رافعاً رأسه، ليقول لهم بخضوعه: انني لست محاربا لكم بالسيف، وليقول لهم برفع رأسه: انني اطالب بحق وادافع عنه، فعدم الدخول في الصراع لا يعني عدم المطالبة بالحق، والصراع له أوجه وسبل، ونحن بدلا من الصراع حتى بحمل الحجارة، ننهج سبلا سياسية واعلامية ودبلوماسية جادة وقوية لفضح الوجه الآخر للاسرائيليين، وهو وجه له في التصور العالمي سمة جميلة، فأغلب الدول الاوروبية والشعوب ان لم أقل كلها تتصور من مشاهد حمل الحجارة ان الساحة الفلسطينية تستعمل العنف، ولذلك نجد في كل التصريحات الدولية تطلب من السيد ياسر عرفات وتدعوه لوقف العنف، ولا يطالبون من باراك وقف القتل والعنف، بينما اسرائيل هي أساس العنف في الشرق الاوسط، وهم لا يطالبونها بذلك لان اسرائيل قد مارست سياسة اعلامية ودبلوماسية خلقت لدى الرأي العام تصورا عاما بان الاسرائيليين شعب مظلوما حاليا، وان الظالم هو الذي يحمل الحجارة.

ولا يفكر الرأي العام العالمي بان الظالم هو المحتل والذي يحمل السلاح لا الذي يحمل الحجارة، والرأي العام العالمي لصالح ايهود باراك لانه لا يعرف الوجه الحقيقي له، وكان بامكان الفئات الفلسطينية والفعاليات الاسلامية ككل ان تظهر للعالم الوجه الآخر والحقيقي للاسرائيليين وتفضح باراك، لكننا نسينا هذا الجانب والتزمنا برمي الحجارة.

السلم في عهد الامام المهدي

الرأي الآخر: يرى البعض ان الامام المهدي الموعود عند ظهوره الشريف سيأتي بالسيف، وستسفك الدماء بكثرة؟

الشيخ باقر: نحن نعتقد ان الامام الحجة المنتظر لا يقوم بالسيف، ودليلنا في ذلك دعاء الافتتاح، والزيارات المخصوصة بالامام الحجة، والروايات الصحيحة الموجودة، كلها تنص على انه في ظل دولة الامام الحجة (عج) تزدهر الدولة وتكتمل العقول، والناس قبل هذا الظهور بحاجة الى من ينقذهم من الشرور.

والنصوص الموجودة في دعاء الافتتاح حول دولة الامام المهدي لا يوجد فيها ولو اشارة بسيطة الى السيف، وحسب النصوص الموجودة في الأديان السماوية سواء اليهودية او المسيحية او الاسلامية، فانه عند ظهور الامام المهدي وبروز الادلة على صدق دعوته، يسلمون ويأتون مستسلمين للوضع الموجود آمنين مؤمنين به.

ليست لدينا أدلة ان الامام يدخل في حروب دموية، انما هناك شائعات استنجتها افكار افراد مظلومين فسروا اراقة الدماء كنتيجة طبيعية لانقاذهم من الجور والظلم، وفي الحديث المروي عن الرسول (ص)       ان الامام المهدي يعمل بسنتي، وليس عندنا في سنة النبي (ص)       اراقة الدماء، وتلك النصوص بحاجة الى تدقيق وتأمل ومناقشة جذرية، هل هي صادرة عن المعصوم، ام انها تفسيرات وتأويلات كما نتصور.

الحركات الاسلامية وشرعية العمل العسكري

الرأي الآخر: تطرح بعض الحركات الدينية والوطنية شعار العمل العسكري ، وبعضها يفتخر بعمليات الاغتيال والسيارات المفخخة، هل تعتقدون وانتم تدعون الى اللاعنف بان العمل العسكري ايجابي على طول الخط؟

الشيخ باقر: هناك مرحلتان، مرحلة الدفاع ومرحلة الهجوم، وغالبية الجهات الاسلامية التي لا تؤمن بالعنف تعتقد بالدفاع عن الكيان الاسلامي، وتعتقد بالجهاد على اساس انه شيء مبدئي.

الجهاد حسب التصور الشيعي لا يجوز الا مع وجود امام معصوم وهو الامام الحجة وغير ذلك امور دفاعية، اذا هجم جيش معتد على بيتي، فيكون علي واجب الدفاع عن بيتي واسرتي وبلدي، والدفاع لصد المهاجم امر طبيعي لا يتم عبر ورق الكلينيكس (المناشف والمحارم) قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، والقوة مطلقة لا تنحصر بالسلاح، هناك الكثير من الطرق وهي بجميعها تنطبق عليها مفردة القوة.

وفي الحديث: (مداد العلماء افضل من دماء الشهداء)، والافضلية لا تعني انتقاصا لدم الشهيد وتصغيرا له، وانما العالم يستخدم مداده بطرق مختلفة وينتهج سبل متنوعة ويصل الى الهدف اسرع مما يصل اليه الدم، فالشهيد مقدس يضحي ويريق دمه من اجل شجرة الاسلام ومداد العالم يتوج الدم ويعطيه بلورة للوصول الى تنفيذ شرع الله في ارضه.

وقد اثبت التاريخ والتجربة ان العمل الدبلوماسي والسياسي والسلمي والاعلامي هو المنتج لا العمل العسكري، ولا اريد ان أخطىء الجهات الاخرى التي تنتهج العمل العسكري، لكن ادعوهم الى عقد حلقات مناقشة وحوارات وندوات لكي نبذل جهدنا للعمل بالسنة والاحاديث المروية، ودعم فكرة اللاعنف، وقد قال الامام علي (ع): «من عامل بالعنف ندم»، او من صفات المؤمن اللاعنف، وهذه الامور تبين بان الاسلام لا يحبذ فكرة العمل العسكري على الاطلاق، الا انه كما قلت ان الكي آخر الدواء.

اما بالنسبة للاغتيالات، فانها حرام قطعا، وفي ذلك روايات وفتاوى، وفي قضية مسلم بن عقيل عام 60 هجرية في الكوفة صورة واضحة لا لبس فيها، فعندما وصل الكوفة رسولا عن الامام الحسين (ع) ، ودخلها فيما بعد والي الامويين عبيد الله بن زياد، فعندما دخل ابن زياد دار هانىء بن عروة بحثا عن مسلم لاعتقاله وقتله، التجأ مسلم في احد زوايا الدار، وعندما دخل ابن زياد الدار وجلس فيها، طلب شريك وهو احد اصحاب هانىء، من مسلم ان يخرج على ابن زياد شاهرا سيفه ليفتك به، وقد اجرى بعض الحركات والاصوات ليعلم مسلم بجاهزية العملية، الا ان مسلم بن عقيل، رفض الانصياع لطلب شريك، وبعد خروج ابن زياد، عاتبوا مسلماً، وعندما سئل عن عدم اقدامه واراحة البلاد والعباد من شره، قال لم افعل ذلك لاني سمعت رسول الله (ص)       يقول: الايمان قيّد الفتك، او الايمان قيّد الفتك، فالمؤمن لا يفتك ولا يغدر.

اما السيارات المفخخة، فهذه ترجع الى نظرية العمل المسلح، فينبغي ان يكون مؤيدا من قبل امام معصوم، وفي عصر الغيبة فان تصورنا انه لا يحق لفقيه لوحده ان يصدر مثل هذه الاوامر الا ان يجمع آراء الفقهاء على هذا الشيء، وهو ما يسمى اليوم بشورى الفقهاء المراجع.

الحركات العراقية والكفاح المسلح

الرأي الآخر: على ضوء اجابتكم السابقة، اين تضعون العمل العسكري في عمل الحركات العراقية المعارضة؟

الشيخ باقر: كما قلت احترم كل الفعاليات الاسلامية مهما كانت، ولكن اتصور انه سيأتي يوم يلزم على الذين وافقوا على مثل هذه الامور ان يجيبوا على الدماء التي اريقت في العراق.

عندما لم تكن نظرية العمل كاملة والسياسيون يبيعون القضية في كل مؤتمر وفي كل اجتماع، هل يا ترى نتمكن في ظل هذه الظروف ان نضحي بدماء ابنائنا، او ان هناك سبلا اخرى.

اعتقد ان هناك سبلا اخرى اكثر جدوائية من العمل العسكري.

الرأي الآخر: هل من هذه السبل الاخذ بالسيرة الحسنية؟

الشيخ باقر: السيرة الحسنية كانت مسألة حفظ دماء المسلمين، لسنا الآن في صدد ذلك الموضوع وليس هناك من تشابه، فمثلا هناك حاكم يظلم ويفجر ويقتل، فلنا ان نتعامل معه باستعمال العنف، هذه احدى الطرق، وهناك طرق سلمية او سياسية، مثلا لو تظافرت الجهود لتقديم شكاوى مستندة ضد الحاكم في بلد معين وتقديمه الى محاكم عادلة في دول اخرى، ومنعه من السفر من بلاده، بحيث لا يحصل على الامان في أي بلد يسافر اليه، هل هذا الطريق اكثر جدوائية او استعمال العمل المسلح الذي لا ينتج، هناك رواية يذكرها ابن شعبة الحراني في كتاب «تحف العقول» عن الامام جعفر الصادق (ع) ، وفيها: من تعرض لسلطان جائر فاصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليه.

الاشكال فقط في تفسير كلمة «تعرّض»، فمنهم من يقول تعرّض أي عرض خدماته للسلطان، وقسم آخر يقول عرّض أي تهور في معارضته للسلطان، صحيح ان هدفي اسلامي، ولا اهدف سوى الخير لنفسي ولمجتمعي، ولكن اذا كان عملي تهورا يؤدي الى قتلي وقتل اهلي واقربائي واراقة دماء ابرياء، من دون ملاحظة جوانب العمل الاخرى وحجم الاثار السلبية الواقعة على العمل الاسلامي، فهنا هو مربط الفرس، ومن نتائج التهور كما يقول الامام الصادق (ع)       لا يرزق الصبر عليه ولا يؤجر عليه.

فاذا كان لدينا برنامج متكامل ربما أنتج، والا كان الفشل حليفنا عادة، فالبرامج الموجودة حول العراق بالذات بتصوري لم تكن متكاملة، وانما كانت تصورات، اعتقد انها كانت بدائية مع احترامي لجميع الفعاليات الموجودة.

الرأي الآخر: كيف نوفق بين قولكم والحديث المشهور: اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؟

الشيخ باقر: صحيح.. كلمة حق عند سلطان جائر.. يصح هذا عندما ترى بانك تتمكن ان توصل كلامك الى السلطان الجائر وتؤثر عليه بما فيه خدمة المجتمع وان ادى الى قتلك واستشهادك، ولكن التهور هو غير صحيح، لان قولك في محيط مغلق مثلا دون ان يؤدي فعلك الى خلق اجواء ايجابية تساعد على التغيير بما فيه المصلحة العامة، فعندئذ تكون قولتك التي كان ثمنها روحك صيحة في واد.

انظر الى الاعلام الواسع الذي كسبه سجن خيام الذي اقامته اسرائيل في جنوب لبنان، وقد زرته مع مجموعة من علماء الدين كانوا سبق قد سجنوا في العراق وانا كنت مسجونا في غير العراق، وقد وجدنا ان السجون في بلداننا الاسلامية اشد ضراوة وقسوة من سجن الخيام، ولكن الاعلام المنظم حول هذا السجن اثمر في التأثير على اسرائيل، وخلق اجواء مساعدة لحصول المعتقلين على حماية ودعم اعلامي، وابقت قضية لبنان والاحتلال الاسرائيلي للبنان حية في اذهان اللبنانيين والمجتمع الدولي، حتى فرار القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان في ايار (مايو) 2000م.

الرأي الآخر: ما هو رأي سماحة الامام محمد الشيرازي في العمل العسكري في العراق؟

الشيخ باقر: املك شخصيا استفتاءات كثيرة لسماحة الامام الشيرازي وفي اجوبتها كلها يقول سماحته باللاعنف مطلقاً.

الرأي الآخر: تعمل الاحزاب والتنظيمات العراقية الاسلامية المعارضة بفتوى فقهائها من داخل الحزب، ومن ذلك فتوى العمل العسكري، فلا حاجة لها عندئذ الرجوع الى مرجع او مراجع التقليد؟

الشيخ باقر: حسب رؤية سماحة الامام الشيرازي دام ظله ان الفتاوى السياسية لا يمكن العمل بها الا ان تكون صادرة من شورى الفقهاء المراجع، وحسب رؤية الامام الشيرازي لا يجوز العمل بفتوى شخص واحد في هذه المجالات، الا ان تكون هذه الفتوى مدعومة من شورى الفقهاء.

الرسول والتعددية السياسية

الرأي الآخر: هل انتم من دعاة التعددية السياسية؟

الشيخ باقر: بالقطع.. الاسلام يؤمن بالتعددية السياسية والتعددية الحقيقية، اقول الحقيقية لاني اتذكر في اوائل الثورة في ايران كان الامام الشيرازي واحيانا كنت معه في بعض المجالس ونقل لي الكثير من الذين كانوا معه في رد زياراته للشخصيات الذين قدموا لزيارته بعد رحلته الثانية من الكويت الى ايران، ان سماحته كان يقترح على قيادات الثورة مثل الدكتور محمد حسين بهشتي، الشيخ علي اكبر رفسنجاني، والسيد احمد الخميني، ان يؤسسوا احزابا سياسية حقيقية كي تعمل وتبذل جهدها لصيانة ومراقبة الدستور والعمل الجاد لتطبيق الا سلام، ولكن القيادات الزائرة في تلك الايام وكنت في تفاصيل القضايا تمزح وتضحك ولا تعير اهمية لهذه الفكرة وتجد صعوبة في هضمها، واتذكر ان احدهم من الذين كان الآخرون يتصورون انه صاحب رؤية ديمقراطية وشوروية في نظام الحكم، وقد دلت التجارب مع الأسف انه لم يكن ديمقراطيا في الفكر حتى يكون ديمقراطيا في السلوك – كان يقول في لقاءات صحيفة كثيرة منشورة (ماذا يملك الرأي الآخر من فكر حتى يقول، نحن الاسلام، فهو ماذا عنده، فاذا كان الرأي الآخر يتكلم باسم الاسلام فنحن نتكلم باسم الاسلام، واذا كان كلامه غير اسلامي فهو مرفوض من المجتمع)!.

بينما نجد ان الرسول (ص) هو الذي أسس الحزبين المهاجرين والانصار، اسس الحزب الثاني عندما رأى الحزب الاول قد قويت شوكته على حساب الآخرين من المسلمين، فالرسول (ص)       آخا بين المهاجرين والانصار ولم يدمجهم في مجتمع واحد او يصهر بعضهم في بعض قسرا، آخا بينهم حتى لا يكون الصراع صراعا دينيا، وانما يكون الامر تنافسا في التطبيق، ولذلك تجد الكثير من الروايات ان المهاجرين عملوا كذا والانصار عملوا كذا، فكل حزب وكل جهة سياسية تسعى لتطبيق القانون بشكل احسن ولتصل الى السلطة بشكل افضل.

ففي ايران مثلا او في بقية البلدان، فأي جهة سياسية تطبق النظام الاسلامي، فالاسلام يرحب بها ويقبل أي وجود اسلامي ما دام يلتزم بتطبيق الدين او يقوم بخدمة المجتمع المسلم، بحيث لا يكون وجوده محاربة للاسلام والدستور.

كان الامام الشيرازي يركز على قادة الثورة لإنشاء تنظيمات واحزاب سياسية حقيقية حتى تكون في ايران تعددية سياسية وحزبية حقيقية لصيانة الاسلام والدستور، وكانت لسماحته ملاحظات ووجهات نظر على بعض بنود الدستور، ولا زال يعترض على بعضها، ومع ذلك يصر عليهم بالتعددية الحقيقية وتكون المعارضة حرة في العمل السلمي ضمن الدستور للوصول الى الحكم بصورة سلمية.

الرأي الآخر: هل افهم من كلامكم ان الرسول (ص) مارس العمل الحزبي في دولة المدينة المنورة؟

الشيخ باقر: عليه الصلاة والسلام لم يمارس، لان القائد الاعلى يجب ان لا ينتمي الى جهة معينة، لكنما صلوات الله وسلامه عليه فسح المجال، والمهاجرون والانصار كانا حزبين وكل حزب يعمل بما يراه صالحا للاسلام والمجتمع، فالرسول (ص) سمح والدستور الاسلامي سمح بذلك، والتعددية مسموحة وجائزة وبدون اشكال، ولم او شخصيا أي فقيه يعارض التعددية السياسية.