يؤكد علماء النفس على ان في البكاء تفريغ للشحنات التي خلفتها الصدمات والمواقف المؤلمة فيكون في البكاء تجنيب للجسم، والنفس ـ معا ـ من اضرار وانعكاسات، هذه الشحنات، السلبية. فالبكاء يعد ـ اذن ـ بمثابة صمام طنجرة الضغط الذي يكفل للطنجرة عدم الانفجار من خلال تسريب البخار. وعليه تجد علماء النفس والاطباء النفسيون عادة ما يوصون من تشابه نوبة غضب او كآبة او غيرها بالبكاء، اذ ان فيه راحة لنفسه وتفريغ للاضطرابات وشحنات الغضب الداخلية.

ليس هدفي من ذكر هذا الكلام الخوض في مجال علم النفس اذ ليس هو من اختصاصي، وانما ذكرته مقدمة ادخل منها الى موضوع البكاء على مصيبة الاما الحسين (ع).

فاذا راجعنا تاريخنا نجد تاكيداً عجيباً على مسألة البكاء على مصيبة الامام الحسين (ع)، وحثاً على ممارسته وبذلاً في الثواب عليه.

فثورة الامام الحسين (ع) قامت بمباديء عظيمة، وسمو مبادئها هذا هو الذي جعل منها مورد قبول عند كل من ينظر اليها بعين التجرد والموضوعية، بغض النظر عما يحمل من خلفية.

فهل ان هذا البكاء هو مبدأ من مباديء ثورة الحسين (ع) التي قامت لأجلها كما يؤكد البعض على ذلك ام ان للبكاء وظيفة اخري في اولويات هذه الثورة؟.

اذا قلنا بان هذا البكاء والعاطفة هو مبدأ اساسي من مباديء الثورة الحسينية فان هذا يعني ـ على ضوء نظريات علم النفس القطعية في هذا المجال ـ ان هذا المبدأ ينتهي حتماً عند ممارسة البكاء، فهل هذا هو المبدأ الذي قامت لاجله هذه الثورة.

ان هذا الاشكال اوقع البعض في حيرة دفعتهم الى انكار نظريات علم النفس في هذا المجال على اعتبار انها نظريات قد صدرت عن اناس دنيويين، والاخذ بالروايات متجاوزين ما يرد على ذلك من الاشكاليات.

فلم يكن هروبهم لينفعهم او يقيهم سهام النقد التي وجهت اليهم. الا ان الامر لا يستدعي هذا الهروب وان الذي اوقع البعض في هذا المطب هو عدم وعي حقيقة البكاء في الثورة الحسينية، فخلط بين كونه هدفاً ووسيلة، ولم يميز في ذلك مما اوقعه في هذه الحيرة.

ان بداية الحل لهذه الاشكالية يتمثل في التمييز الصحيح لموقع البكاء من بين اوراق هذه الثورة، فالتمعن والقراءة الدقيقة لأوليات الثورة تكشف عن ان البكاء لم يكن من المباديء التي قام الامام الحسين (ع) لاجلها وانما مبادئ الثورة يمكن ان تتلخص باحياء المبادئ الاسلامية الاصلية التي ارادت السلطات الحاكمة انذاك اماتتها وطمرها بتخطي دقيق ومدروس. والنظر بعين الموضوعية للامر يكشف عن ان البكاء ليس من المبادىء الاسلامية. وعليه فلا يصح اقحام البكاء بين المباديء الحسينية الاسلامية اقحاماً، وانما يجب النظر ازاءه بموضوعية ودقة.

فلو كان البكاء هدفاً وغاية ومبدءاً للثورة الحسينية لكان المبدأ قد انتهى بممارسة البكاء او عند كل مما رسة له، وذلك على ضوء نظريات علم النفس، وتبعاً له ينتهي ما يقوم عليه كذلك، ولكننا نرى ـ في الواقع ـ ان ثورة الاما الحسين (ع) تتأمل على مر السنين في نفوس المسلمين، فهل ان هذا التأصل هو وليد البكاء الذي عبره البعض هدفاً ومبدءاً للثورة؟

كلا فليس من شأن العاطفة والبكاء ان يؤصلا شيئاً جل ما يهدف اليه هما.

اذن فالذي اصل الثورة الحسينية مبادئها السامية من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحياء امثال هذه المباديء الاسلامية الاصلية التي اريد لها ان تندثر، اما البكاء والعاطفة فلم يكونا هدفاً ومبدءاً للثورة وانما وسيلة من وسائل الحفاظ على هذه الثورة فلا يجب افراغ هذا الامر من محتواه لحشوه بغير محتواه الحقيقي.

وفي ضوء نظريات علم النفس المتقدمة من كون البكاء تفريغ ليس هناك مانع من هذا التفريغ من خلال البكاء على مصيبة الامام الحسين (ع)، فلتتفرغ شحنة الغضب من خلال البكاء ولتبق المبادئ الاسلامية التي احياها الحسين (ع) بدمه الشريف.

علي عبد الرضا ـ سوريا