تتأرجح العقلية الشرقية ـ أعني بها العقلية العامة ـ بين منهجين لتربية الطفل، والتعامل معه، بين (التصابي)، و(التكابـر) هذا بناءاً على التسامح منا في إطلاق المنهجية على كل من التصابي والتكابـر، وذلك أن المنهج له قواعده وأسسه الثابتة.

وليس (التصابي) أن أردنا تقديم تعريف له بمختلف عن المعنى اللغوي له فهو عينه والذي يعني أن يتصاغر الرجل أمام طفله حين يريد التعامل معه فينزل معه إلى عمره لكي يتسنى له تقديم ما ينفع الطفل عن طريق تعامله هذا، وذلك أن الطفل يتعامل مع ما يقدم إليه على الطريقة الطفولية بإيجابية أكبـر منها فيما لو قدم له من شخص يجد بينه وبينه فارقاً.

ونحن ومقابلة للمنهج الآخر للتعامل مع الطفل ـ أطلقنا اصطلاح (التكابـر) الذي يمكن أن نقدم تعريفاً له بالتالي: وهو أن يحاول الأب ـ أو المربي ـ مع الطفل على أنه ـ الطفل ـ في عمره ـ أي عمر المتعامل مع الطفل من أب ومربي وغيرهما، فهو يحاول سلخ الطفل عن طفولته والارتفاع والصعود به قهراً إلى مستوى عقليته ثم يتعامل معه على أساس ذلك.

فلو جئنا إلى الأسلوب، والمنهج الأول، فما هو الأساس الذي استند عليه البعض في اختيارهم لهذا الأسلوب في التعامل مع الطفل.

لو رجعنا قليلاً من خلال التاريخ إلى الوراء وخضنا عالم الأخبار الواردة عن النبي الكريم (ص) وأهل بيته الأطهار لوجدنا أن هذا هو المنهج الإسلامي الأصيل فقد ورد في الأخبار بأن رسول اللـه (ص) كان يأخذ وضعاً يقوم به على الأربع ثم يركب الحسنين (ع) على ظهره ويسير بهما وهو يردد الكلمات التي تستأنس لهما روحا الحسن والحسين (ع) ولم يكن يحسب للوضعية الاجتماعية التي هو عليها حساباً من أنها قد تخدش بتصرفه هذا وذلك أنه يرى بعقليته الربانية بأنه لم يكن قد تخطى المنهج الصحيح.

إن انتهاج الرسول الكريم هكذا الأسلوب ـ التصابي ـ مع سبطيه لم يكن قد اقتصر على المنزل حسب بحيث إذا خرج خارج المنزل كان تعامله بأسلوب مغاير لهذا الأسلوب أي ما يمكننا إن نطلق عليه الازدواجية في التعامل مما قد يثار في ذهن البعض فهذا مدفوع بما ورد عنه أيضا فقد نقل لنا التاريخ عن رسول اللـه (ص) بأنه قد أطال سجوده ـ حيث كان يؤم المسلمين ـ على غير المعهود عنه وحين سئل عن ذلك أجاب بأنه قد ارتحلني ولدي الحسن فكرهت إن أعاجله. إذن فمنهج التصابي مأخوذ من صميم الإسلام لا كما يروق لمن تأثر بالغرب بأن ينسب هذا المنهج إليهم.

ولكن الذي يؤسف له هو أنه قليلاً ما يؤخذ بهذا المنهج في دولنا الاسلامية، وقلما يحسب حسابه مع انه كما سبق إن ذكرنا المنهج المستوحى من صميم الإسلام.

أما المنهج الأخر ـ التكابـر ـ فليس له أساس في الإسلام أصلاً وإن يكن له أصل فأنما أصله ناشيء من الموروث الجاهلي الذي لا ينظر إلى الطفل بعقلية أنه بعقلية أنه طفل وإنما بعقلية أنه كبير، وهذا وأن لم يكن مصرحاً به إلا أن الواقع يكشف عنه.

فمحاسبة الطفل على تصرف غير لائق في عرف الكبار محاسبة شديدة، لا توجيهيه، ومنع الطفل من الجلوس مع الكبار لأنه مجلس لا يليق به، ومطالبة الطفل بالنظر إلى الأمور نظرة تروٍّ، والتعامل مع الأمور بمنطق العقل والبـرهان ما هو إلا سلخ للطفل قهراً عن طفولته، واكسائه ثوب الرجولة الفضفاض بالنسبة إليه وإحاطته بإطار البلوغ الذي يتخبط بأركانه.

بناءاً على ما تقدم نسأل السؤال الذي تصدر المقال فنقول:

ما هو الأسلوب الأجدى نفعاً في التعامل مع الطفل من هذين الأسلوبين السالفي الذكر؟

نقول في الإجابة على ذلك بأنه لا شك ولا ريب بأصلحية الأسلوب الأول (التصابي) وأرجحيته على الأسلوب الآخر وهو (التكابـر).

وذلك أن التكابـر هو مما لا يمكن نيله عقلاً وذلك أن المستوى الذهني الذي يكون عليه الطفل يستحيل اختزاله وطي مراحله للوصول به مباشرة إلى المستوى الذي يكون عليه الكبار في النضج العقلي.

وإلا فلو كان ذلك ممكناً لكان أولى بالأحكام الإسلامية أن تفرض على الطفل منذ صغره لا أن تبقى الأحكام بالنسبة إليه غير نافذة لحين بلوغه السن الشرعية التي تختلف بالنسبة إلى الصبي عنها في الصبية.

أما (التصابي) فأن بالإمكان نيله، وذلك إن الكبير يمكنه فعل ذلك بدون أن تختل عنده المفاهيم الذهنية، ثم أن الطفل أكثر استعداداً لتقبل هذا الأسلوب.

إذا فهمنا ما تقدم فهل يا ترى هناك شك في كون المنهج الأول هو الأجدى؟