الحلقة الخامسة

اجرت الباحثة في العلوم الاجتماعية الدكتورة مادلي دراسة ميدانية عن تعرض الزوجات المصريات للعنف من ازواجهن، بعنوان نساء بلا حقوق ـ رجال بلا قلوب، تتبنى منذ سطورها الاولى موقفا قد يعتبره البعض، خصوصا من الرجال، منحازا ضدهم بشكل عام.

في مقدمة كتابها، اختارت الباحثة مجموعة من الشهادات تبدوا من خلالها آراء الرجال المصريين في المراة سلبية بشكل عام، ابرزها ما نسبته الى احد العاملين في مجال حقوق الانسان في مصر الذي قال ان هناك نوعا من النساء اللواتي ان لم يضربهم ازواجهن، لاعتقدن انهم لا يحبونهن. ثم تؤكد في مكان آخر من المقدمة، انه من الناحية الثقافية التي تحكم مجتمعات الشرق الاوسط، تعتبر المرأة اقل مرتبة من الرجل، و على ذلك فان العنف ضدها يعتبر في كثير من الاحيان التصرف الطبيعي، بل ان مجتمعاتنا و قيمها الحاكمة تمنح الرجل الحق في تأديب زوجته ان لم تطعه.

و في مضمون الدراسةالتي اختارت الباحثة المناطق الشعبية ميدانا له، نجد ان 30 في المئة من نساء العينة يتعرضن للضرب بشكل يومي، و 34 في المئة مرة في الاسبوع، في حين تتعرض 22 في المئة فقط للضرب على فترات متباعدة، عدا الشتائم التي اعتبرتها كل النساء ظاهرة عادية، و علقت واحدة منهن قائلة ا كل الرجال يسبون زوجاتهم.

و في اجاباتهن على السؤال الاول في الدراسة، و الخاص بالمرة الاولى التي تعرضن فيها للضرب من الزوج، و لماذا قالت سامية (45 عاما) ان المرة الاولى التي ضربها فيها زوجها كانت عندما تشاجرت مع شقيقته، و كانت حاملا في شهرها السادس، و عندما علم الزوج بالمشاجرة احضر شقيقته لتضربها على بطنها بقضيب حديد الى ان سقطت مغشيا عليها. و روت اخريات ان خروجهن من المنزل من دون رغبة الزوج كان سبب العلقة الاولى. و تنوعت وسائل الايذاء بدءا بالضرب باليد، وانتهاء بقضبان الحديد، مرورا بالاسلاك و العصي و الاحزمة و الاحذية بحسب الدراسة، من بينهم واحد تقول عنه زوجته عايدة (27 سنة): يضربني بيده صفعا على وجهي فقط، لانه ليس مثل الرجال الاخرين الذين يضربون زوجاتهم بالخراطيم.

و تبين الدراسة ان الخلاف لدواع جنسية يحتل المرتبة الاهم في اسباب تعرض الزوجة للعنف، بشهادة 75 في المئة من نساء العينة، و يـأتي مصروف البيت، بعد العلاقة الخاصة،كثاني ابرز سبب لعنف الزوج بحق زوجته، ثم يليه ما يعتبره الزوج اهمالا من الزوجة في رعاية اموره.

اما في ما يتعلق بالمتسبب في العنف، اعترفت 6 في المئة من الزوجات بانهن السبب في عنف الرجل، مقابل 41 في المئة القين بكل اللوم على كاهل الازواج، و الباقيات لم يجبن. تقول فاتن (30 سنة) التي ترى ان زوجها هو سبب العنف: انا لا اقصر في أي شئ. لكن تركيبته غير مفهومة، احيانا ينفجر لاتفه الاسباب و احيانا اخرى يتغاضى عن اشياء كثيرة. اما منيرة (55 سنة)، فرايها في زوجها بعد 30 سنة من الحياة الزوجية انه قليل الادب. و ترى فاتن (28 سنة) ان زوجها جاهل و مفتر و لا يتحمل مسؤولياته، بينما تعزي زينب (22 سنة) سبب عنف زوجها الى الادمان الذي يعاني منه، و ايمان (39 سنة) الى مرض زوجها النفساني.

و قد يؤدي تكرار الاعتداء مع عجز الزوجة عن الرد، الى اقدام بعضهن على الانتحار، خصوصا اذا لم يكن للمراة اهل او اقارب يتصدون للزوج العنيف، او على الاقل يستضيفونها عندما تترك منزل الزوجية، بينما تلجأ (13 في المئة) منهن الى الشرطة للابلاغ عن زوجها المعتدي.

و في البعد النفسي للظاهرة، ياخذ اختصاصي الطب النفساني الدكتور محمد شعلان على الباحثة حصر عينة الدراسة في المناطق الشعبية، ما افقدها قدرا كبيرا من موضوعيتها، لا سيما انها لم تذكر ان العينة المختارة ليست شاملة، و انما انتقائية. و ينتقل للحديث عن العنف كسلوك نفساني و ازدياده في المجتمع المصري و اسبابه، فيقول: من بين التغيرات العميقة التي طرأت على المجتمع المصري في العقود الثلاثةالاخيرة، ارتفاع درجة العنف في سلوك الافراد، فالمؤسف ان ثقافة العنف الواردة من الولايات المتحدة تجد لها متسعا في عقول المصريين، نتيجة التاثر اولا بفكرة البطل التي تقدمها السينما الامريكية، ثم ضغوط الحياة الكثيرة التي ادت، الى جانب زيادة لاعباء على الافراد، الى تراجع فرص الترويح و التنفيس عن الكبت سواء العاطفي او النفسي.

و هكذا تظل مشاعر الغضب كامنة في النفوس، و تزداد يوما بعد يوم الى ان تاتي لحظة تنفجر فيها على الطريقة الامريكية. فنجد الشخص اما يضرب او يقتل او يشوه، و ما الى ذلك من سلوك عنيف. و ما يقال عن الرجل ينطبق على المراة، اذ ان مراجعة معدلات الجريمة النسائية في السنوات الاخيرة يكشف عن زيادة مفرطة فيها عما كان موجودا قبل 30 او 40 عاما.

و يضيف ان ظاهرة رد الزوجة العنف لزوجها المعتدي صارت تلاحظ على نطاق اوسع، و هو امر لم يكن مالوفا في السابق، و يجل على زيادة اقبال النساء علىالعنف، من ناحية، و يعكس تراجع دور الاهل في تسوية المشاكل الزوجية من ناحية اخرى. ففي الماضي كانت اسرة الزوجة تسارع بالتدخل لرأب أي صدع في هيكل العلاقة الزوجية، و هو ما كان يغني الزوج في كل احوال كثيرة عن اللجوء الى العنف. اما اليوم، فكل مشغول بحاله، و الزوج يعرف ذلك، فيستعرض عضلاته. والزوجة تعرف ذلك ايضا، فتلجأ الى يديها لاخذ حقها فتتحول البيوت الى حلبة مصارعة دون حكام.