اسبوزيتو ينتقد هنتنجتون وفهمه المتحجر لمعنى الحضارات في كتاب جديد صدرت ترجمته بالقاهرة


القاهرة: ياسر خليل
التهديد الاسلامي خرافة أم حقيقة يطرح الباحث الاميركي الشهير جون. ل. اسبوزيتو، في كتابه «التهديد الاسلامي خرافة أم حقيقة» والصادر حديثا عن «دار الشروق» بالقاهرة والذي ترجمه الى العربية الدكتور قاسم عبده قاسم، عدداً من الأسئلة التي تصاعد رنينها بعد أحداث الثلاثاء الأسود المحزنة بأميركا، وهي: هل الاسلام والغرب على طريق تصادم حتمي؟ هل الأصوليون الاسلاميون متعصبون ويذكرون بما عرفته أوروبا في العصور الوسطى؟ هل الاسلام والديمقراطية لايتوافقان؟ وهل تشكل الأصولية الاسلامية تهديداً للاستقرار في العالم الاسلامي وللمصالح الاميركية في المنطقة؟
ويشير الباحث الاميركي الى عدة مؤشرات دفعت الغرب في العقدين الماضيين الى الاعتقاد بأن الأصولية الاسلامية، أو ما يطلق عليه «الاسلام المقاتل» يشكل تهديداً خطراً على حضارته ومستقبله، ويقدم نماذج لآية الله الخوميني الذي أدان اميركا باعتبارها «الشيطان الأكبر»، وحركة طالبان بافغانستان، ودعوة صدام حسين للجهاد ضد الكفرة الأجانب، ويؤكد على ان كل هذا أعاد فرض صورة الاسلام المقاتل، باعتباره دين الغزو والتوسع.
ومن الجهة الأخرى ينتقد البروفيسور اسبوزيتو الغرب، والافتتاحيات والمقالات بالصحف الغربية التي تحمل عناوين متشائمة من نوع «ذروة الأزمة صدام الحضارات»، و«الحرب الاسلامية ضد الحداثة»، «الاسلام الصاعد ربما يهيمن على الغرب»، مشيراً الى أن هذه العبارات تستولي على الانتباه العام الغربي، وفي ذات الوقت تبالغ وتشوه طبيعة الاسلام، والحقائق السياسية في العالم الاسلامي وعلاقته المختلفة مع الغرب، ويصف هذه العبارات بأنها تكرس لدرجة مدهشة من الجهل والتنميط الثقافي للعرب والمسلمين.
الاسلام المعاصر: إصلاح أم ثورة؟
يعتبر المؤلف، ان مصطلح الأصولية Fundamentalism يعد وصفاً عاماً يعبر عن كل شيء ولا يعبر عن شيء، كما انه مصطلح مثقل بالمزاعم المسبقة، والتنميط، وانه يتضمن مغزى التهديد الكلي الذي لا وجود له، مفضلا استخدام مصطلحات مثل «حركة الاحياء الاسلامي»، و«النشاط الاسلامي». ثم يتحدث المؤلف عما أسماه تجربة الفشل التي يواجهها العالم الاسلامي في مواجهة التقدم والتفوق الغربي، مما دفعه الى البحث عن هويته، بخاصة على الصعيد السياسي في أعقاب هزيمة 1967.
وحول علاقة الاسلام بالغرب يشير المؤلف الى ان علاقة الاسلام بالغرب تميزت بالتجاهل والاحتقار والصراع المتبادل، رغم «الجذور اللاهوتية المشتركة» والتفاعل بينهما على مر القرون. وفسر ذلك بأن نجاح الاسلام وتوسعه وهو لايزال وليداً، شكل تحدياً قوياً على المستوى اللاهوتي والسياسي والثقافي للغرب المسيحي. ويذهب اسبوزيتو الى انه بينما يوصف تغريب العالم الاسلامي وعلمنته بالادانة فإن التحديث بحد ذاته ليس محلاً للادانة، فالعلم والتكنولوجيا مقبولان ويستخدمهما الاسلاميون في شؤون حياتهم وفي نشر الدعوة، بينما وصف الجماعات الراديكالية بأنها تفترض ان الاسلام والغرب في معركة مضنية يعود تاريخها الى أيام الاسلام الباكرة، وانها معركة تحمل تأثيرات ثقيلة من ميراث الحروب الصليبية والاستعمار الأوروبي.
وسرد الكاتب بأسلوب لا يخلو من الإعجاب بعض مظاهر الحضارة الاسلامية واصفاً المسلمين بأنهم يحسنون التعلم كما يحسنون الفعل، اضافة الى ذكره جوانب هامة من الشريعة الاسلامية تحت عنوان «الشريعة الاسلامية شرع الله»، تحدث خلالها عن أركان الاسلام الخمسة، لافتا النظر إلى ان غير المسلمين عاشوا تحت حكم الاسلام في وضع أفضل من عيشهم تحت الحكم الأجنبي السابق له وان حكام المسلمين كانوا أكثر مرونة وتسامحاً معهم، وانهم دفعوا ضرائب أقل في ظل الاسلام، ملمحاً الى ان الاضطهاد الذي عاناه أهل هذه البلاد تحت الحكم الأجنبي دفع الجماعات اليهودية والمسيحية الى مساعدة جيوش المسلمين لفتح بلادهم.
وعلى ضوء ذلك يقارن اسبوزيتو بين الامبريالية الأوروبية ونضال الشعوب من أجل الاستقلال. وهو يرى ان التحدي السياسي الذي طرحه الاستعمار قد زاد كثافة بسبب موجة من النشاط التبشيري المسيحي الذي كان يسعى الى تحويل الناس الى المسيحية، مدللاً على ذلك بخريطة العالم الاسلامي عقب الحرب العالمية الأولى والتي ـ كما يقول ـ كشفت عن مدى اتساع السيادة الأجنبية، ومن ثم قد حدثت أربع استجابات اسلامية للغرب، وهي الرفض، والانسحاب، والعلمانية والتغريب، والحداثة الاسلامية.
ويقول اسبوزيتو ان دور الاسلام في التطور الباكر لكل من الحركة الوطنية والحركة القومية كان أقل بروزاً، وان التحركات الأولى جاءت كرد فعل للحكم العثماني أكثر من كونها رداً على الغرب. ويرى ان الاسلاميين والعلمانيين قد استخدموا الدين منذ مطلع القرن العشرين على حد سواء لتقوية حكمهم، وان الحكومات قد فرضت العلمانية من أعلى، وتم تحديد الدين في نطاق قوانين الأحوال الشخصية والأسرة.
وينتقد اسبوزيتو في كتابه غالبية الغربيين، لان مفهومهم خاطئ عن التاريخ الاسلامي، فقد تشكلت في أذهانهم معلومات ومواقف تجاه المسلمين والعالم الاسلامي بفعل التصورات والتجارب التي صكت في كبسولات من عينة «الأصولية الاسلامية» و«الإرهاب»، معبراً عن أسفه لان عبارة كالأصولية الاسلامية باتت وسيلة كافية، وان كانت مضللة، تستخدمها الحكومات ووسائل الاعلام الغربية لتعريف مجموعات تنتشر في طول العالم الاسلامي وعرضه، كما صارت هذه العبارة «غولاً» جاهزاً تستخدمه أنظمة الحكم في البلاد الاسلامية لتلطيخ سمعة المعارضة والحط من قدرها.
ويتطرق اسبوزيتو الى هزيمة 1967، وما خلفته من اهتزاز الثقة لفكرة القومية العربية، وكيف اثر ذلك على الحكومات الثورية القومية في العالم العربي لتتحول صوب الاسلام من أجل دعم ركائز آيديولوجياتها الوطنية المتردية، كما تحدث عن الثورة الايرانية وكيف اصبحت مصدر قلق لحكام العالم الاسلامي وسرعة تصديرها كنموذج نال اعجاب الجماعات الاسلامية. كما يرصد في هذا السياق مسيرة جماعة الاخوان المسلمين في مصر منذ نشأتها 1928 على يد حسن البنا، كما يتناول مرجعياتها الفكرية والدينية، واعتبرها إلى جانب جماعة ـ أي ـ اسلامي الهندية بقيادة أبو الأعلى المودودي الذي أسسها في الهند عام 1941، سبباً رئيسياً في تطور حركة الاحياء الاسلامي. كما يعتبر الكاتب سيد قطب الدافع الأول وراء تأسيس جماعات العنف المسلح، ووصفه بأنه الرجل الوحيد الذي يعتبر مهندس الاسلام الراديكالي، وان تشدده جاء بعد قمع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتطرق المؤلف كذلك الى الجماعات «الثورية الاسلامية» الأخرى في مصر، مثل جماعة الجهاد، وشباب محمد، والتكفير والهجرة، والناجون من النار، متحدثاً عن أسلوب الزعامة والتنظيم والعضوية في تلك الجماعات، وعن حركة أمل الشيعية وحزب الله في لبنان، وعن الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر وعن اختفائه الغامض في العام 1978 عندما كان يزور ليبيا. وروى اسبوزيتو قصة الصراع بين حزب الله وحركة أمل واستخدام العنف وتدمير المصالح الغربية التي كان أبرزها قتل 250 فرداً من مشاة البحرية الاميركية، كما تناول الحركات الاسلامية في المغرب وتونس والجزائر التي توقف أمام جماعاتها المسلحة طويلا، وتساءل عن النموذج التركي «هل هو علماني متشدد أم اسلامي متشدد؟». واختتم أسبوزيتو كتابه بالحديث عن فترة ما بعد الحرب الباردة موضحا الدوافع المختلفة وراء بروز فكرة التهديد الاسلامي للحضارة الغربية أو التحذيرات من صدام وشيك بين الحضارات، والتي تعالت باطراد في اميركا وأوروبا.
وينتقد من جديد التحليل الانتقائي للغرب دون محاولة للفهم الحقيقي للأسباب المؤدية والكامنة خلف العنف، نافياً ان يكون الاسلام تهديداً للغرب، لكنه وصفه بأنه تحد يواجه الحضارة الغربية باعتباره أسلوباً مختلفاً عن حياة الغرب. ووجه اسبوزيتو في هذا السياق نقداً حاداً لصمويل هنتنجتون صاحب المؤلف الشهير «صدام الحضارات» ووصف مناقشاته بأنه استفزازية للاسلام. وأفرد فقرة مطولة للحديث عن السياسة الاميركية تجاه الاسلام ودوله، وقال ان أغلب التنظيمات الاسلامية تسعى للعمل من داخل النظام، وان القليل منها راديكالي يحمل السلاح