قليل هم الذين يصنعون الدين الإسلامي وخدمته ، وخدمة أبناءه نصب أعينهم أينما حلّوا ، وأقل هم الذين يضعون هذا الهدف أمامهم من الذين يعيشون في دول الغرب ، سواء كان  الهدف يبتغي من خلال العمل الفكري أم الثقافي ، أو عن طريق السلوك الإسلامي الصحيح  الذي يعكس صورة الإسلام الصحيحة .

    ومن هؤلاء القلة الذين يسعون جاهدين لخدمة الإسلام والمسلمين الدكتور صلاح الخطيب الذي يرأس جمعية باسم ( المنظمة الإسلامية العالمية لحقوق الإنسان للدفاع عن الإمامية )  والتي تتخذ من جنيف مقراً لها .

    الدكتور صلاح الخطيب زار دمشق مؤخراً فاستغلت صحيفة السلام فرصة تواجده في  دمشق فأجرت معه حواراً تناولت فيه بعض القضايا فيما يلي نص الحوار :

 * بداية نقول ما السر في التخصص ( الإمامية ) ؟

 ** كنت آمل أن يكون الاسم منظمة الرحمة العالمية ، أو المنظمة الإسلامية حسب ، ولكن الظروف التي عانى منها الشيعة الإمامية على مرأىً ومسمع وسكوت الرأي العام العالمي  أولاً ، ثم السكوت الإسلامي هو الذي دفعني إلى تأسيس المنظمة تحت هذا الإطار ، وإلا فأنا  لا أحمل أي حساسية إزاء أي أحد من المسلمين بل على العكس من ذلك .

  • إذن لم يتسبب الاسم في إثارة البعض ؟

 ** من لا يعرف طبيعة عملنا ، والواقع الذي نعيشه مع إخواننا من أهل السنة في الغرب قد يتهمنا بذلك ولكن إخواننا هنا بحمد الله لم معنا ، ولنا معهم العلاقات الوطنية فالتزاور موجود بيننا ، وهم يقيمون مناسباتهم عندنا وبالعكس ـ فالمسلمون في الغرب أقل تأثراً بالقضايا المذهبية منهم في البلدان الإسلامية .

  • ما مدى عملكم في  مجال إبراز حقوق الإنسان في الإسلام أمام العالم ، والتعريف بذلك ؟

 ** نحن نقوم بترجمة بعض الكتب التاريخية ، والحديثة لغرض ذلك ، فقد عقد مؤخراً ـ على سبيل المثال ـ مؤتمر عندنا في الأمم المتحدة حول حقوق السجين فقمت بترجمة ما يتعلق   بحق السجين من كتاب الحقوق لسماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي ، ووزعته على المؤتمرين ، فلاقى ذلك إعجاباً منقطع النظير ، حتى أن البعض أشاد بالسبق الإسلامي فيما يتعلق بحقوق السجين .

    ثم أني ترجمت رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ( ع ) ، وأنا الآن في صدد ترجمة عهد الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى مالك الأشتر .

    كمنا أن بعض الأخوة يقومون هناك بترجمة بعض الكتب فيما يتعلق بحقوق الإنسان  ككتاب ( نظام حقوق المرأة في الإسلام ) لمرتضى مطهري وغيرها من الكتب التي تنفع في هذا المجال .

* هل يمكن التأثير إعلامياً من خلال طرح حقوق الإنسان في الإسلام ن خاصة ونحن نرى الإعلام الموجه في الغرب والغلبة لمن فيه ؟

** هناك أمر لابد من الإشارة إليه والتنبيه له جيداً ، يقال أن ” الإعلام مسير ” وهذه المقولة وإن كانت تحوي قدراً من الصحة ، إلا أنني أعتقد أنها لا تحوي كل الحق .

    فالإعلام هو منطقة فراغ يملكها من يملؤها للمرة الأولى ، ونحن مع شديد الأسف لا نملك اليوم هذه القدرة على ملء الفراغ ، كما انه لا قدرة لدينا كذلك على الرد السريع .

    إن ملىء الفراغ المذكور ، والرد السريع ليس بحاجة إلى الإمكانات المادية الضخمة بقدر ما هو محتاج إلى العمل الجاد والمخلص .

    ما هو حاصل لدينا هو أن الرد عندنا يأتي بعد شهر أو شهرين من نشر الخبر المضاد ، والرد ضعيف أيضاً ، فما مدى تأثير رد يأتي بعد شهرين ، وقد أخذت الفكرة المضادة محلها  في عقول الناس ؟

    ينبغي علينا المبادرة بملىء الفراغ ، والرد السريع . ولا ييأس أحدنا مما يرى من وسائل الإعلام وقدراتها فنحن قادرون على اختراق الإعلام بشكل مجدٍ ، فبإمكاننا إنشاء وكالة أنباء خاصة بنا ، بحيث تطرح قضايانا بشكل مقبول لدى الإعلام الدولي ، ولكن يجب أن تحتوي أنباءنا على المصداقية والفورية ، فإننا مع سعينا إلى عمل هذا الذي ذكرت لكم ، وبالإخلاص نتمكن من كسب المعركة الإعلامية .

  • ما هو رأيكم في مبدأ اللاعنف الذي تتبناه ؟

 ** أنا لي رأي خاص في الموضوع لأن طرح اللاعنف مطلقاً ربما يؤثر على الطرح  الإسلامي بصورة عامة لأن الإسلام منظومة فكرية متكاملة ، فلا يمكن القول بأن الإسلام  يؤمن باللاعنف ويهمل العنف ، ولا يمكن العكس كذلك ، الإسلام نظرية متكاملة وهذه النظرية مستمدة من فطرة الإنسان ، ففطرته تفرض عليه أن يكون عنيفاً في موارد ، ولا عنيفاً في مورد أخرى ، فأنا أخشى أن لا يفسح طرح اللاعنف مجرداً المجال للدفاع عن كثير من المواقف التاريخية من قبيل الحروب التي تعد عنفاً ، فهذه الممارسات هي ممارسات عنيفة فيجب أن يكون التعريف دقيقاً ، فالإسلام لا يدعو إلى العنف ، وإنما كما يقول أحد المؤرخين  أن الإسلام رفع السيف لإسقاط السيف .

  • إذن مورد إشكالكم على تعريف اللاعنف لا على طرح اللاعنف أساساً ؟

 ** نعم . فالإسلام ربما يكون الدين الأول الذي طرح مفهوم اللاعنف ـ اللاعنف المشروط كأمر ـ فتحية الإسلام هي السلام ، وعندما سئل رسول الله : ما الإسلام أجاب : أن تفشي السلام على من تحب ومن لا تحب ، ومن ممارسات الرسول ( ص ) وأهل بيته ( ع ) ٍمع أعدائهم نستظهر اللاعنف ولكن من موقع القوة لا من موقع الضعف ، وفتح مكة ” من دخل  بيت أبي سفيان فهو آمن ” ومواقف أمير المؤمنين ( ع ) وموقف الإمام الحسين (ع)  في كربلاء  حتى آخر لحظة قبل استشهاده ودعوته للسلام فكل ذلك دليل جلي على اللاعنف في الإسلام .

  • ما هو مدى قبول طرح اللاعنف عالمياً ؟

 ** أكثر الجهات الإسلامية تحاول طرح المشروعات المعتدلة وذلك لكسب ثقة المجتمع الغربي والآخرين ، وأنا أقول حينما نطرح الهوية الإسلامية الحقيقية ، والطرح الإسلامي المتكامل ، فالطرح الإسلامي مثلاً لم يطرح مسألة المساواة ، ولم يطرح قضية السلام ، والقضايا الأخرى بصورة مستقلة ، وإنما طرح فكراً متكاملاً ، وموضوعية هذا الطرح هي موضوعية العدالة ، فموضوعية العدالة الإسلامية من وجهة نظري من أهم الموضوعات التي يمكن أن يقدمها الإنسان للمجتمع الغربي والتي تلقى القبول لدى المخلصين ، أما العدو    فإمكانية كسب شعبه معدومة أعني العدو المسيس ، فهذا يعرف حقيقة الإسلام تماماً ، أما المضللون من الناس فموضوعة العدالة هي الأشمل التي يمكن طرحها للناس .

    أما طرح اللاعنف فيفسح المجال لموضوع الحوار والحوار الآن هو لغة العصر عصر الإنترنت والاتصالات الميسرة والتنقل السهل ، عسر العولمة ، فاللاعنف يفتح الطريق إلى الحوار مع كثير من الأفكار الدينية وغير الدينية ، أما طريق الإقناع واللاعنف ، أو طريق  القهر والسيطرة والعنف والقمع .

    فطرح اللاعنف جميل جداً يجب أن يلقى صدىً في المجتمع الدولي ، ثم إننا لا يجب أن نخاطب العالم باللغة العربية ، وإنما يجب مخاطبته بلغته من خلال ترجمة ما عندنا  وإيصاله إليه .

  • ما هو رأيكم في الاتهامات التي توجه للإسلام على أنه يضطهد المرأة ؟

 ** اتهام الإسلام بأنه يصادر حقوق المرأة ويدعو إلى ممارسة العنف ضدها هو اتهام معقود ومدروس وإلا فالغرب يعلم تماماً بأن المرأة الغربية عانت العنف والاضطهاد بصورة   مريعة ، فإلى القرن الثامن عشر ـ أواخر القرن ـ لم يكن مسموحاً للمرأة أن تفتح حساباً  بنكياً باسمها ، وهكذا كانت في القرون الوسطى ، تمنع من دخول الكنائس باعتبارها مخلوقاً   بلا روح ـ كالحيوان ـ أما الإسلام فلا يضطهد المرأة إنما هناك ممارسات خاطئة في الدول الإسلامية ناشئة عن ظروف وأسباب عديدة ، منها الفراغ الذي حصل بين المسلمين وتراثهم ، وأنا أؤكد لك بأن المرأة الغربية في بعض المناطق الأوروبية كالريف الفرنسي ، تعاني  الأمرين من الممارسات العنيفة ، فهناك من يرمي قطعة اللحم لزوجته كما يرميها للكلاب ، وتضرب بالعصا وتهان ، وقد رأينا البرامج التي عرضت في أمريكا عن النساء اللواتي قتلن أزواجهن نتيجة قيامهن بضربهن .

    فالغرب يحاول تسليط الأضواء على الممارسات اللاإسلامية الخاطئة دفعاً للشبهة عن  نفسه ، وأنا أرى أن الحل يتمثل في طرح النموذج الصحيح للإسلام إزاء المرأة كما فعلت  إيران عندما بعثت المرأة كممثلة في بعض المؤتمرات الدولية ، فهذا دليل حي على وجود  المرأة واحترام حقوقها .

    المشكلة في البلدان التي تمنع المرأة من ممارسة بعض الحقوق كقيادة السيارة وحق الانتخاب والترشيح وما شابه .

    إن الدين الإسلامي يعترف بمشاركة المرأة في كافة جوانب الحياة وقد ورد أنه ( لولا سيف علي وأموال خديجة ما قامت للإسلام قائمة) ، وكذلك دور الكثير من النساء في الإسلام ،  كفاطمة الزهراء ( ع ) ، وأم المؤمنين عائشة ، والسيدة زينب ( ع ) .

  • ما هي الأسباب التي تدفع الإنسان إلى انتهاج العنف ؟

 ** لا يخفى أن السبب الأول : هو الجهل فلو كان الإنسان عاقلاً فهناك لغة حوار يمكن أن  يحل بها مشاكله ، لغة اللاعنف كما سبق ذكره .

    ثانياً : الطبيعة البشرية إذا لم يكن هناك نهج وثوابت تصونها وتحكم سلوكها يمكن أن  تنحرف صوب العنف ، في فرنسا ، أجريت اختبارات مؤداها وضع رجل ـ ممثل ـ على كرسي كهربائي ومقابله آخر بيده عتلات وأزرار التحكم بالكهرباء ، ويطلب من الممثل طرح أسئلة على المقابل بحيث هناك درجات في الكهرباء تتدرج من ( 5 ) فولت إلى ( 5000 ) فولت فوجدوا أن مع استثارة السائل للمقابل يرفع درجة الصعق بحيث أوصلها الغالبية إلى            ( 5000 ) أي القتل وهذه النسبة هي 70% أما النسبة الباقية 30% ففضلت الانسحاب .

    فالفطرة ما لم يكن لها رادع تمارس العنف عند إعطائها الإمكانية .

 * أين تكمن المشكلة في هذه الفجوة بين المسلمين ؟

 ** المشكلة بين المسلمين تكمن في عدم امتلاك أسس الحوار ، فالكل من المسلمين يعتقد بأنه يمتلك الحقيقة الكاملة في حين لا يمتلك غيره شيئاً من الحقيقة وهذا هو الخطأ .

    فالدين الإسلامي لم يعلمنا هذا ، إنما يجب احترام الآخرين ، وإن كنت تعتقد بأنهم خالين  من الحقيقة تماماً وهذا هو الأدب القرآني ـ الإسلامي الذي علمنا عليه .

    علم المسلمين أن يحترموا الرأي الآخر ويعتدون به ، ويراعون مشاعر أصحابه عندها فقط يمكن تحقيق التقارب بين المسلمين ، أما مع وجود هذا النفس الحواري الفردي الذي يعتقد صاحبه بأنه هو صاحب الحقيقة دون غيره فلا يمكن تحقيق تقدم يمكن الاعتداد به .

  • كيف يمكن إقناع الرأي الحاكم بقبول الرأي الآخر ؟

 ** إن هذه المسألة تتعلق بأسس القضية أولاً ، ثم بالحاكم ثانياً . فالمسألة يفترض فيها أن   تكون هناك عملية توازن في المحاورة مع الرأي الحاكم فالضعيف الذي لا يمتلك أية وسيلة  قوة لا يمكن أن يكون مؤهلاً للتحاور مع الرأي الحاكم وإلا فسوف يسحق ، فيجب امتلاك  وسائل القوة التي يمكن من خلالها الاعتداد بالرأي الآخر كطرف محاور .

    أما ما يتعلق بالرأي الحاكم فإنه لا يمكن الحوار مع الرأي الحاكم ، ما لم يكن يمتلك  الاحترام للرأي الآخر ، فكيف يمكن محاورة من يريد سحق الرأي الآخر