صدر عن دار الفكر (دمشق) – مؤخراً – كتاب بعنوان (لاتكن كابني آدم) من تاليف السيدة سحر ابو حرب.

يقع الكتاب في مئة وخمسة وسبعين صفحة من القطع الصغير. ويتكون من ثلاثة ابواب ملحقة بتعقيب على الكتاب بقلم الأستاذ جودت سعيد، الذي رأى في الكتاب – مورد الدراسة – معارضاً لكتابيه (لمذهب ابن آدم) و(كن كابن آدم).

لم يكن الكتاب من طراز الكتب العلمية البحته التي تعتمد الاسلوب العلمي والبرهان الرصين، إنما كان الاسلوب الادبي (القصصي) هو الغالب عليه.

فالكتاب كما رأيت هو دعوة جادة – من قبل الكاتبة – للناس جميعاً تحثهم فيها على نبذ العنف ما أمكن وتقبل الفشل بروح رياضية عالية والاستفادة منه للوصول إلى النجاح لا أن يكون منشأ للعقد النفسية التي تقود إلى العنف.

لقد قرأت الكتاب فاثار في ذهني مجموعة من الاشكالات التي لم يتعد مجالها الذهن، ولكن بلوغي الصفحة الثالثة والثمانين من الكتاب وبالتحديد الفقرات التالية:

أتقبّل كل نقد للفكرة وكل تعليق عليها

أتقبل أي نقد لها وأي زيادة فيها

وأشكر من يدلني على أي نقص أو خلل.

كان دافعاً لي في أن أخرج اشكالاتي تلك من عالم الذهن إلى حيز الوجود الخارجي.

* نتائج عدم التقيد بالتخصص

نحن نعتقد بانه مهما كان الانسان مثقفاً واعياً فليس عليه الخوض في الامور الهامة مما لا تخصص له فيها، ولا نعتقد بأن السيدة سحر ابو حرب تخالفنا في هذه الحقيقة المتفق عليها في المجال العلمي الاكاديمي وغيره.

ولو قدّر وخاض الانسان في مواضيع كهذه – مما لا تخصص له فيها – فان ذلك سيجعل منه – حتما – عرضة لسهام النقد من قبل المتخصصين في الباب الذي اقحم نفسه فيه على تقدير اخفاقه فيه.

تجدر الاشارة إلى اننا لم نكن نقصد في نقدنا هذا الحط من شأن الكاتبة العلمي، فانها ولاشك خبيرة في تخصصها ولكنها – ومع الاسف – اقحمت نفسها اقحاماً  في علم نتبين من خلال كتابها بانها لا دراية له فيه الا وهو علم التفسير، وهو علم له اهله وهم الراسخون في العلم على ما صرّح به الكتاب العزيز بقوله:

(لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم).

فنحن نرى نتيجة الخوض في غير ما تخصصت به الكاتبة واضحاً من خلال الارباك وعدم التوازن الذين تميزت بهما مواضيع الكتاب، والذين ربما لم يكونا عن قصد منها.

فالقارئ مرة يلمس في ثنايا الكتاب ما يلزم منه التشكيك في إحاطة علم الله تعالى بكل ما في الوجود، واخرى تجد ما يلزم منه اجتماع الضدين أو النقيضين، وثالثة عدم صحة ما ينقل لنا دستور المسلمين – القرآن الكريم – من القصص واخبار الماضين، إلى غيرها من الاشكالات التي اوقعت الكاتبة نفسها فيها والتي سنتناولها في نقاط وكالآتي:

تمهيد

ان الأمر المجمع عليه بين المفسرين هو إن قصة ابني آدم تجسد لنا موقفين متقابلين، وهذا ما يظهر لكل قارئ للقرآن من عامة الناس فضلاً عن العلماء.

فالآية قدم لنا «نموذجاً لطبيعة الشر والعدوان، ونموذجاً من العدوان الصارخ الذي لا مبرر له، كما تقدم لنا نموذجاً لطبيعة الخير والسماحة، ونموذجاً كذلك من الطبيعة الوادعة وتقفهما وجهاً لوجه»[i]

و لكن الكاتبة لم يرق لها كون القصة كذلك، حتى حاولت سلب أي نوع من القدسية التي تحيط وتقارن جانب الحق ضاربة عرض الحائط جميع آراء اهل هذا الباب من العلم، والذين اتفقت كلمتهم – وهو ما يظهر لكل ملم بالعربية كذلك – على تجسد الحق في احد جانبي الحادثة، والباطل في الجانب الآخر.

و لقد تدرجت مواقفها في صب جام غضبها على جانب الحق والتماس العذر بشتى الوسائل المتاحة لجانب الباطل واظهاره في صورة المظلوم لا الظالم. ولسوف نتعرض لكل ذلك بالترتيب.

التشكيك في كون القربان قد قدم لله

لقد كان باكورة التخبط الذي وقعت الكاتبة فيه هو تحديد الجهة التي تقدم ابنا آدم بقربانهما اليها، فقد شككت في كون القربانين قد قدما الىالله تعالى إذ تقول:

«يا الهي!! لقد كنت اظن ان ابني ادم قربا قربانهما إلى الله، لكني وجدت الآية الكريمة تقول: (اذ قربا قرباناً فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الآخر)[ii]

لم يذكر الله سبحانه وتعالى لمن قربا القربان».

بل اكثر من ذلك انها نسبت الايهام والخداع إلى طرف الحق بقولها:

«ان ابن آدم، المتحدث الثاني، هو الذي أوهمني ان الله هو الذي تقبل قربانه بقوله: (انما يتقبل الله من المتقين)».

و لكن هناك سؤال يمكن ان يثار وهو:

ما هو الدليل الذي استندت عليه الكاتبة فيما ادعته وخالفت به جميع المفسرين، وهل يصمد دليلها – يا ترى – امام النقاش ام انه يسقط ويقع مع هبوب نسمة؟

في البدء نقول ان دليل الكاتبة على مدعاها صار دليلاً ضدها لا لها.

فالدليل الذي ساقته هو:

ان الفعل (تُقُبِّل) في الآية الكريمة مبني للمجهول فتقول ما نصه:

«لم يذكر الله سبحانه وتعالىلمن قربا القربان.. حتى ان الفاعل في (فتقبل من احدهما..) كان مبنياً للمجهول».

فهل يصح هذا الاستدلال يا ترى ام لا يصح؟

ان استدلال كهذا يعد غريباً من كاتبة تدعي – من خلال كتابها – كونها أديبة وشاعرة، فمن المفروض في الاديب ان يكون ملماً بالاغراض البلاغية. فاذا كان كذلك فكيف غابت عن ذهن كاتبتنا الاغراض التي يرمى اليها من وراء سوق الفعل مبنيا للمجهول في الآية الكريمة مورد البحث؟

فان لم تكن الكاتبة على علم ودراية بامر كهذا فنحن نتكفل لها بذكر ما ينفعها في المقام فنقول:

ان كون الفعل مبنياً للمجهول يشير بناؤه هكذا «إلى ان امر القبول وعدمه موكول إلى قوة غيبية وإلى كيفية غيبية وهذه الصياغة تفيدنا في امرين:

1)      الا نبحث عن كيفية هذا التقبل ولا نخوض فيه.

2)  الايحاء بان الذي قبل قربانه لا جريرة له توجب الحفيظة عليه وتبييت قتله، فالامر لم يكن له يد فيه، وانما تولته قوة غيبية بكيفية غيبية تعلو على ادراك كليهما»[iii]

لم تكتف السيدة ابو حرب بهذا المقدار من التشكيك، بل صعدت في موقفها حين تناولت موضوع قبول القربان وكيفيته بالبحث والتحليل اذ تقول:

«اما احتراق القربان بالنار.. فمن الجائز جداً ان يتلاعب بعض المموهين فيأتوا ويحرقوا القربان المناسب، والمتفق عليه مع صاحبه لينال الفوز والرضا.. وقد تمر الحادثة بسلام دون ان يلحظها احد.. فيعتقد الآخر الذي لم يحترق قربانه أنه فاشل محبط، مردود، غير مرضي عنه.ز لكن هذه الحالة مستبعدة هنا على الرغم من امكانية وقوعها»[iv]

ان ذيل كلامها المتقم يعتبر تخفيفاً لو طأة ما تتبنى قد يفوت على من لم يدقق في كتابها ويتعمق فيه، لكن من يتمعن فيه يجدها تعود ثانية لتلوح إلى امكانية تلاعب هابيل بالقربان باوضح مما تقدم ذكره، فهي تقول في معرض حديثها عن:

(اريد ان تبوء باثمي وإثمك)

من الآية الكريمة ما نصه:

«ما الاثم الذي ارتكبت يا أخي.. هل كان لك يد في موضوع تقبل قربانك»[v]

اقول في هذا:

ألم يعد هذا تحكما من جانب الكاتبة لا يستند إلى أي دليل؟ هذا في الوقت الذي نعيش فيه على اعتاب القرن الحادي والعشرين، والذي لا يقبل فيه شيء دون ان يكون هناك دليل عليه.

نوع الخطاب في الآية

طالما آلت صاحبة الكتاب على نفسها قبول أي نقد، وبما انها تزعم كونها أديبة، فعلينا ان نلاحظ كل ما يخص الامور الادبية والبلاغية من الكتاب  مهما بدا صغيراً.

و من الامور التي ذكرت، الجهة التي توجهت الآية الكريمة نحوها بالخطاب:

فالمؤلفة تقول:

«الخطاب هنا موجه لكل الناس (نبأ عالمي)..»[vi]

في حين لم يكن الخطاب في الآية موجهاً للناس جميعاً، انما هو خطاب للرسول الكريم(ص) بالمباشرة، ويطلب الباري تعالى في خطابه من الرسول(ص) ان ينقل مضمون هذا الخطاب إلى الناس فالخطاب غير مباشر للناس.

خلق الجو المناسب للمدّعى

المعروف ان القرآن الكريم لم يكن قد ذكر لنا تفاصيل هذه القصة، ونحن انما عرفنا تفاصيلها من خلال السنة الشريفة التي تذكر لنا سوء سريرة قابيل، وطيبة هابيل وإيمانه وحبه لله تعالى.

اما إجمال القرآن فيرى المفسرون بانه: «يؤدي الغرض من عرضها ويؤدي الايحاءات كاملة، ولا تضيف التفصيلات  شيئاً إلى هذه الاهداف الاساسية»[vii]

ومع ذلك فان الكاتبة وكعادتها – دون الاستناد إلى دليل اللهم إلا اسرائيليات  الحادثة – عمدت إلى خلق جو خاص بها للواقعة بعيداً عن القرآن والسنة اذ انها ترى بانه:

«علينا ان ندرس ظروفهما بالحق والعدل.. أن ننظر بتوازن لكلا الفريقين، والاّ نتبنّى أحدهما خشية أن نتعاطف معه، ولا أن نتعاطف مع احدهما خشية ان نغبن الآخر»[viii]

ان كلامها هذا يحمل بين طياته بل ولازمه – من خلال الجو الذي خلقته للقصة – كون القرآن لم يدرس القصة بالحق، ولم يكن قد نظر اليها بعين التوازن، وهذا كلام خطير.

ثم ذهبت الكاتبة تحيط الجاني بجو من المحبة وتغدق عليه ما لم يكن فيه من الطهارة والعفة والعاطفة من قبيل ما أوردته على لسان قابيل:

«إنك تتعبني.. تثير فيّ البغضاء

انا لست ظالماً..

لا اريد ناراً ولا ظلماً»

و غير ما ذكرت مما اغرقت به كتابها كثير ثم لا تتوانى عن اظهار تعاطفها مع الجاني بالقول:

«يا للمسكين وقد استجاب لقانون الفائز».

و في مقابل ذلك تجدها تحيط المقتول بجو من الجهل، وتكيل عليه نعوت الغرور والتكبر، وتنسب اليه السبب في كل ما حصل فتقول في قبول قربانه:

«هو لا يشعر بهذا الانتفاخ والتضخم.. انما الراصد من الخارج.. الواقف المقابل.. الآخر يرى ذلك بوضوح انه لا يخفى على الطفل الصغير.. انا المتّقي.. إنما يتقبل الله مني انا بوصفي  من المتقين ولا ينتسب الطرف الآخر الينا.. انه خارج عنا، منفي، منبوذ»[ix]

ثم تعود لتشكك مرة اخرى بالقربان فتقول:

«نلاحظ هنا ان الفائز قد نسب قبول قربانه لله مع ان بدايةالآيات تخبرنا بان الفاعل مبني للمجهول ولمرتين متتاليتين، فتُقُبِّل من احدهما..

و لم يُتَقَبَّل من الآخر..

كما ان الذكر جاء بانهما قربا قرباناً، ولم يذكر بعد ذلك لمن قرب القربان»[x]

ثم تأتي بعد ذلك لتبين موقفها من المظلوم بقولها:

إن كلاهما خاسر..

المقتول خسر حياته..

خسر تعاطفي معه.»[xi]

و ما أحوجه ذلك الذي تعاطف معه الله والخيرون من الخلق لتعاطف كهذا.

ان الجو الذي احاطت به الكاتبة القصة لم يكن له وجود سوى في مخيلتها، ولعلها رأته في عالم الرؤيا، أو لعلها استندت في كل ذلك إلى المدسوس في الأخبار التي ألصقت التهم الشنيعة بالواقعة من قبل اليهود، باعتبار ان الحادثة – وكما يراه المفسرون – جاءت للتنبيه على الاساليب التي ينهجها اليهود في انتهاكاتهم لحرمات الله تعالى.

حوار غير متكافئ

في محاولة منها لتبرير ما قام به قابيل وتلمس الاعذار له، وجعل هابيل محطّاً للّوم فيما وقع تقول الكاتبة:

«عندنا طرفان للبحث والنظر، لا طرف واحد، مع اننا لا نسمع صوتاً للطرف الأول الا بكلمة واحدة مهددة متوعدة هي (لاقتلنّك)، بينما نمشي طويلاً مع الطرف الثاني متأملين كل حرف نطق به».

لقد صوّرتْ السيدة سحر ابو حرب سكوت قابيل الا عن النطق بكلمة (لاقتلنّك) التي خرجت من فمه دون قصد – كما ترى هي ذلك – على أنه وسيلة ومحاولة لجذب اهتمام ذلك الطرف الذي نفخه غروره مما جعله يترفع ويتعالى على أخيه بل واكثر من ذلك صعّد لهجته الاستفزازية التي تتضمن إهانة لاخيه في كونه لم يكن من المتقين، بل كان من المبعدين كما مر ذكره.

لقد ادارت الكاتبة سيناريو الحوار بين الأخوين بطريقة درامية بارعة كي تنقل الانسان إلى ساحة ذلك الحدث نافذة إلى (لاشعورة) كيما يأخذ رأيها ومشهدها الدرامي مكانه في عالم (لاشعور) القارئ.

صحيح ان القرآن الكريم كان قد نقل لنا الواقعة باسلوب مجمل إلا أن ما وردنا من صحيح السنة اوقفنا على تفاصيل القصة وعليه لا يصح تجاوز الاخبار الواردة في ذلك.

لقد صورت الكاتبة هابيلاً الذي استنفد كل الوسائل الممكنة لديه في سبيل إعادة أخيه إلى رشده وثنيه عما يحاول ارتكابه – من شنيع الاعمال – تجاهه بانه الانسان المتعالي الذي لاتحمل لهجته بعد قبول قربانه سوى الاثارة والاستفزاز لاخيه الذي بقى ساكتاً طوال فترة تكلم أخيه واهانته له، ولم ينبس – طوال تلك الفترة – ببنت شفه.

بعد ذلك تصرح بالقاء اللائمة على عاتق المقتول بقولها:

«لقد جره الفائز – تقصد هابيل – إلى قانون خاطئ، فانجرف مسرعاً»[xii].

انا لا ادري من أين جاءت الكاتبة بكل ذلك وكيف صار الذي يحاول جهده تهدئة الامور بمنطق العقل والدين والأخلاق الرفيعة انساناً  استفزازياً قاده جهله باسلوب الحوار – وهو ما نسبت اليه الحوار دون أخيه – إلى هذه النتيجة، وكيف صار الذي لا يمتلك من اسباب الحوار شيئاً، وليس في قاموسه سوى منطق القوة والعنف حَمَلاً وديعاً سيق إلى ما ارتكبت يداه سوقاً واضطر اليه بسبب جهل المقتول؟

لا ادري بأي حق غفلت أو تغافلت عن كلمة (لاقتلنّك)، وهونت من وقعها ودلالتها.

الم تكن تعلم باحتواء الكلمة على (لام) القسم والتي تدل على التصميم من قبل قابيل على ارتكاب جريمته في حق اخيه؟

فان كانت لا تعلم فليس عليها أن تنزل نفسها في الموقع الذي تبدي الرأي من خلاله وذلك لعدم علمها.

و ان كانت تعلم بكل ما ذكر فان ذلك افظع وكما قيل:

فان كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ        و إن كنت تدري فالمصيبة اعظم

ثم اننا مع كل ذلك نحاول توجيه نظرها إلى خبث سريرة القاتل – قابيل – بايراد الحديث الذي ورد في كتاب (في ظلال القرآن) لـ(سيد قطب) ناقلا اياه عن مسند الامام احمد بن حنبل:

يقول الحديث:

«لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الاول كفل من دمها، لانه كان أول من سن القتل»[xiii]

فهل يعقل ان يتحمل قابيل وزر كل هذا لو كان بريئاً حسبما تدعي السيدة ابو حرب؟

ثم لو كان هابيل على هذه الصورة التي صورته فيها الكاتبه من الجهل والغرور والتسبب في الجريمة، ترى كيف غاب ذلك عن عالم الغيب والشهادة حتى ذكره كمثل لجانب الحق.

اضف إلى ذلك بانه لو كان ظالماً فلِمَ لم يقرن ظلمه وخسرانه في الآية الكريمة بظلم أخيه حين قال الله تعالى في ذلك:

(فأصبح من الخاسرين)

و لم يقل في ذلك: فاصبحا من الخاسرين؟

إلا ان تدعي الكاتبة كما مر ذكره غياب ظلم هابيل عن الله تعالى، أو محاباة الله تعالى له استغفر الله تعالى وأنزهه عن كليهما.

جهل هابيل

إن جهل هابيل – الذي يتمثل الحق في القصة فيه – هو الذي قاد إلى هذه النتيجة المأساوية على ما تدعيه الكاتبة حيث تقول:

«لقد كان ابن آدم هابيل درساً قاسياً دفع ثمنه غير مضطر.. لو أنه ادرك ما يعني الفشل لصاحبه، إنه يبدو ناقص الخبرة قليل المعرفة في هذا المجال.. »[xiv]

يبدو من ذلك ان الكاتبة مصرة على ان الوزر كل الوزر فيما حصل يقع على المقتول، وليس ذلك حسب ولكن الجهل الذي كان عليه هابيل هو الذي قاد إلى هذه النتيجة.

عناق المقتول للقاتل

لم نعلم الاسلوب والطريقة التي توصلت الكاتبة من خلالها إلى ما كان يدور في خلد القاتل حين نقلت لنا على لسان حاله الآتي:

«إني اخاف الله، لكني لا أخاف منك فاقترب اليك، لكني اقترب مهدداً لماذا لا تستفيد من اقترابي منك فتمحو مني الرعب والقلق… وتبعد عني هواجس الرغبة بالقتل..»[xv]

لا ادري كيف يغيب عن ذهن انسان يمكنه قراءة الضمائر بهذه الدقة، ما تمكن غيره من استباطه من المروي كلاماً عن الواقعة. كما اني لا اعرف كيف لم تتمكن من فهم وضع هابيل الذي ما فتيء يحاور ويهدِّئ في حين استطاعت قراءة واقع ذلك الذي لم ينبس ببنت شنه؟

خاتمة

في ختام قرائتي هذا أود الاشارة إلى مسالتين هامتين هما:

1 – اننا مأمورون بأخذ كلما صح صدوره عن رسول الله(ص) امتثالاً لقوله:

(ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)

فهذا يدل – وهو ما لا يحتاج كثير فكر – باننا لا كلام لنافي كل مورد وضع الرسول(ص) أثره فيه وإلا كنا قد وضعنا انفسنا في قبال رسول الله(ص).

و في المقام ورد عن رسول الله(ص) قوله:

«اذا كانت الفتنة فكن كخير ابني آدم»[xvi]

و لو لم يكن احد ابني آدم – وهو المقتول حتما – على حق وممثلاً لجانب الخير والحق لما ورد عن رسول الله(ص) هذا القول في حقه. اذ ان الرسول(ص) لا يطلق القول جزافاً اذ كل قول محسوب ومطاع من قبل كل المسلمين في كل اصقاع الارض. كما انه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى وانما هو الوحي الذي ينطق على لسانه الشريف: فيتبين ان هابيل يمثل في المقام طرف الخير.

و من ذلك يتبين لنا مقدار الخطأ الذي اوقعت الكاتبة نفسها فيه حيث خطّأت الطرفين واختارت لكتابها عنواناً هو (لا تكن كابني آدم) الذي ذكرنا لك بعض ما جاء فيه.

وهذا مضافاً إلى الخطأ الفادح الذي وقعت السيدة سحر ابو حرب فيه يدل كذلك على حث الكاتبة الناس على انتهاج اسلوب جديد في الحياة لا يكون الانسان فيه مع الحق ولا مع الباطل. هذا الذي سيجر إن لم نقل جر الويلات إثر الويلات.

2 – ان الكتاب يحمل بين طياته الكثير من الاشكالات غير ما تم ذكره في المقام، ولكننا حرصنا على عدم ذكره لا لعدم اهمية ذلك، ولكن لكوننا نرغب في اشراك القارئ معنا في الحكم على الكتاب وتقييمه ليكون التقييم حاملا لصفة العمومية.

الهوامش

[i] لا تكن كابني آدم/ 26.

في ظلال القرآن 2/ 703.

[ii] لا تكن كابني آدم/ 26.

[iii] في ظلال القرآن 2/ 704.

[iv] لا تكن كابني ادم 33.

[v] نفس المصدر 59 – 60.

[vi] نفس المصدر 28.

[vii] في ظلال القرآن 2/ 704.

[viii] لا تكن كابني آدم 29.

[ix] نفس المصدر 42.

[x] نفس المصدر 43.

[xi] نفس المصدر 72.

[xii] نفس المصدر 71.

[xiii] في ظلال القرآن/ تفسير الآية مورد البحث.

[xiv] لاتكن كابني آدم 87.

[xv] نفس المصدر 59.

[xvi] الجامع لاحكام القرآن (القرطبي)/ تفسير الآية مورد البحث.