بين عمليات تفجير السيارات المفخخة في حيفا وطبـريا وتفجير المبنى السكني في موسكو أوجه من التشابه، في المنطلقات والأهداف وسبل المواجهة، وان كنا ابتداء نؤكد على موقف الشريعة الإسلامية في حفظ الحياة الإنسانية، ونضم صوتنا إلى أصوات الذين يدينون ترويع المدنيين واستخدام العنف ضد الشيوخ والنساء والأطفال، ممن وردت النصوص الصريحة في تجنب التعرض لهم بأذى ووضعهم في ذمة المسلمين حماية لهم ورعاية لحقوقهم. ولكن ما حدث في فلسطين المحتلة وما يجري في العاصمة الروسية له مسار يختلف تمام الاختلاف عن أفعال الإرهاب كما يراها التوصيف الغربي فالقهر الذي يعيشه العرب في فلسطين المحتلة (مسلمون ومسيحيون) والجبـروت الذي يسحق مسلمي الشيشان وداغستان وغيرها من دول الجوار يتحمل كامل المسؤولية عما يجري من تعبير عنيف لرفض الاحتلال.

وقرن من الاحتلال الروسي، ونصف قرن من النازية الإسرائيلية، كان أكثر من كاف لتفجير كل ما في نفوس أبناء الشعوب المقهورة لاسيما أولئك الذين اقتنعوا بنصائح وإرشادات العالم المتحضر، الذي دعاهم إلى ترك الثورة على واقعهم، من التهجير القسري، وانتزاع الملكية، وتشويه الهوية الثقافية، واقتلاع كل ما له بانتمائهم لأوطانهم وانتمائها لهم.

وكانوا قد حاولوا التعبير عن معاناتهم في مخيمات الحرمان الممتدة مع امتداد العالم، وحاولوا استخدام كل المنابـر المتاحة لشرح ما وقع وما زال يقع فوق رؤوسهم، وكانوا في كل محاولاتهم يصطدمون بجدران مسلحة من خرسانة التجاهل والإدانة والتفهم لوجهة النظر الأخرى.

كانت الانتفاضة الفلسطينية، على سبيل المثال، آخر ما استعمله شعب أعزل يواجه بصدور عارية أحدث وسائل الفتك من الرصاصة المطاطية وحتى القنابل المسمارية المحرمة دولياً، مروراً بأساليب لم تعرفها حتى محاكم التفتيش الأسبانية سيئة السمعة.

ثم قيل لهم: إن التفاوض هو الحل الحضاري الصحيح لمعالجة الخصومات والاختلافات بين الأفراد والمنظمات والدول. فجلسوا إلى طاولة المفاوضات، وجاءت النصائح تتوالى باللين وعدم التصلب وإفساح المجال أمام المفاوض اليهودي لإقناع شعبه ومسؤوليه والرأي العام الصهيوني وتوفير ورقة رابحة بيده ليواجه (صقور المعسكر الإسرائيلي).

كانت النصائح تصب في قناة واحدة وباتجاه واحد، هو اتجاه الشعب المسلوب الوطن والممنوع من امتلاك أسباب القوة، كان المطلوب من الضحية أن تراعي ظروف الجاني النفسية والمادية والتاريخية، وكان على الضحية أن تعض على آلامها، وأن تبذل كل جهد ممكن وغير ممكن لمعالجة الجاني من الآثار الجانبية لتنازله عما لا يملك، ولتخليه عن مسلسل العنف والتشفي اليومي.

وفي الحالة الفلسطينية، كان على (الضحية) أن تتفهم الحرج الذي ستقع فيه (حمائم إسرائيل) إذا هي لم تتنازل عن حقوقها المشروعة، وبالتالي كان عليها وحدها مسؤولية التصلب الإسرائيلي في المفاوضات وغيرها، لأن مسؤوليتها ــ في مهزلة التفسيرات الشاذة ــ تتضمن كل حركة وقرار وردة فعل إسرائيلية على تصرفات وتصريحات كل فرد من أفراد الشعب الفلسطيني والمتحالفين معه من العرب والمسلمين في أية بقعة من بقاع الأرض، ولو كان مدرساً في جامعة أمريكية يبحث بشكل موضوعي في أمر يشي بإدانة الفكر الصهيوني الاستعماري والتصرفات الإسرائيلية.

لقد تحملت الضحية كل إشكاليات وتناقضات وعقد الشعب الإسرائيلي، وباتت مسؤولة عن سقوط هذا الحزب ونجاح الآخر، لان تصرفاتها وتصريحاتها وتَّرت الشارع الإسرائيلي الذي يضم كل جنسيات العالم بثقافاتها وتناقضاتها، ولأنها (أي الضحية) فشلت في طمأنة المهاجرين اليهود من مشارق العالم ومغاربه على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في أرض لا تمت إليهم ولا يمتون إليها.

ولم تكون المسؤولية محصورة في أبناء الشتات الفلسطيني، بل عمَّت حتى أولئك الذي يمثلون أحزاباً إسرائيلية في البـرلمان (الكنيست)  كعزمي بشارة، ورؤساء بلديات منتخبة بموجب القانون الإسرائيلي كرائد صلاح (أم الفحم)، فعلى كل ضحية من داخل وخارج الخط الأخضر أن تعطي ضمانات كافية للشارع اليهودي وإلا فهي مسؤولة عن الأبواب الموصدة التي تواجه حاضرها ومستقبلها. وكان أن واجهت الطريق المسدود بالتفجير. فعلى من تقع المسؤولية، على الضحية أم على الجلاد؟

د. صلاح الدين أرقة دان ــ كاتب وأكاديمي لبناني