خالد القشطيني

لما يسمى بالارهاب الاسلامي جذور واسباب كثيرة وكتب فيها الكثيرون، لكن لي جانبا شخصيا في الموضوع، فأنا احمل المفكرين الاسلاميين وقادة المنظمات الاسلامية قسطا من هذه المسؤولية، وهي انهم جميعا تقريبا آمنوا بالعنف وقمعوا كل من يشكك به. بالطبع كتبوا بين الحين والحين عن المحبة والسلام في الاسلام، لكنهم فعلوا ذلك على الاكثر لاغراض الدعاية والدفاع عن الاسلام. موقفهم الاساسي هو ان هذا الدين قام بالسيف ويعمل بالسيف وسينتصر بالسيف. واي تشكيك في ذلك هو مؤامرة ضد المسلمين. لا ادل على ما اقول من المؤتمر العالمي الذي عقد في عمان سنة 1984 بعنوان: «النضال العربي السياسي اللاعنفي» كان نفاقا ومظاهرة دعائية صرفة، فعندما نشروا اوراق المؤتمر بالانجليزية صدروا الكتاب بالورقة التي القيتها انا، لكنهم حذفوها من الطبعة العربية!! كانت كلها محاولة لغش الغربيين وليس لتثقيف العرب بالعمل السلمي.

انا لا أؤمن بذلك واعتقد ان السيف لعب دورا صغيرا في انتصار الاسلام على الشرك. واكثر من ذلك، اعتقد ان المسلمين سيخسرون بتمسكهم بفكرة العنف، اولا لتفوق الآخرين عليهم عسكريا، وثانيا لأن البديل النضالي اللاعنفي سلاح اكثر كفاءة في جيلنا هذا. تبنيت هذه الفكرة واطلقت عليها اسما اسلاميا هو الجهاد المدني .
حاولت في لندن تشكيل منظمة تسعى لترويج هذا المفهوم بين المسلمين. اتصلت ببعض السفراء العرب وبعض الناشطين في المنظمات الاسلامية، ولم اتلق منهم جميعا غير الصدود، بل والتحذير. لم اكسب غير ثلاثة مسلمين شاركوني ايماني، احدهم من اثيوبيا والآخران من العراق. جاهدنا لسنتين ثم فقدنا الامل وتخلينا عن الموضوع. جل من اتصلنا بهم كان رأيهم ان الغربيين اولاد كلب ولا يفهمون غير القوة وليس للمسلمين غير ان يتمنطقوا بالسلاح ويحاربوا. كان بعضهم يتجاوب معنا في الجلسات الخاصة في اطار كلام بيني وبينك . ثم تنتهي الجلسة برجاء عدم ذكر اي شيء منها للآخرين.

وكأن اللاعنف والسلام نوع من أنواع الزنا على المرء ان يتستر عليه. هذا هو الجو الذي ساعد على ظهور الارهابيين والانتحاريين وكل من استعمل السلاح والمتفجرات.

في اطار هذا المجهود الشخصي، انفقت مدة طويلة في كتابة كتابي نحو اللاعنف ، الكتاب الوحيد الذي يطرح بعمق في اللغة العربية افكار الجهاد المدني واساليبه ويخصص جزءا كبيرا منها للسلام واللاعنف في الاسلام. عبثا حاول صديقي انيس صايغ العثور على اي ناشر للكتاب. كان بعضهم يرفض حتى دخول المسودة الى مكتبه. اخيرا نشرته دار الكرمل في عمان بعد حذف فقرات كثيرة منه واخرجته بطبعة هزيلة مليئة بالاخطاء ولم يستطع الناشر توزيعه بصورة مشجعة. ربما منعته بعض الحكومات العربية. امتنعت حتى مؤسسة الوحدة العربية في بيروت عن نشر بحث لي في مجلتها الدورية عن الموضوع.

اعود فأكرر (والتكرار سمتنا الفكرية) ما سبق وقلت ان قادة الفكر والاعلام العربي والاسلامي من المسؤولين وغير المسؤولين يتحملون الى درجة كبيرة اوزار هذا الموضوع الذي وصل اليه المسلمون عالميا، وهذا الضلوع في الارهاب والعنف. بالطبع انهم سيرفضون بإباء ما اقوله هنا. لكن هناك محكاً للقول، ما زالت مسودة كتابي هذا موجودة في مكتبي باللغتين العربية والانجليزية تنتظر من ينشرهما مجانا وبدون اي اتعاب لي.