د. ماجد ياسين الحموي*

الإرهاب ليس شيئاً جديداً طرأ على العالم في أيامه الأخيرة وإنما عرفته البشرية منذ تاريخها القديم. وعرفته أيضاً السياسات الاستعمارية التي نفذت بهديها الحروب الصليبية في منطقة الشرق الإسلامي. وكذلك عرفت بعض أشكاله من خلال السياسات الاستعمارية الايطالية والبريطانية والفرنسية والاسبانية والالمانية والأمريكية. وما يهمنا في هذه اللمحة الموجزة هو تسليط الضوء على حقيقة مفهوم الإرهاب والسرد على بعض القوى التي استغلت الأحداث مؤخراً من أجل توجيه اتهامات كاذبة ومضللة بهدف الإساءة إلى الإسلام من خلال الربط بين الأصولية الإسلامية والإرهاب الدولي من جهة وسعيها لتحقيق مكاسب سياسية عن طريق تحريم النضال والمقاومة المشروعة للشعوب المضطهدة من جهة أخرى.

الإرهاب الدولي من منظور إسلامي:
إن الإسلام بوصفه ديناً سماوياً يدعو إلى السلام والتسامح والأمن والاستقرار على الأرض. فمن السلام جاءت كلمة الإسلام. وهي كلمة تمثل عنوان الدين وترسم ملامحه ومبادئه. فالإسلام قضى ومنذ بدايته على نزعات العنف الهدامة وعلى بذور الشر في النفس الإنسانية.
فإذا كان الإرهاب يرتكب لدوافع مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية، فإن الإسلام عالج هذه الدوافع من المهد ولم يسمح بوجودها أو تطورها. فالإسلام يدعو إلى نبذ العنف والإكراه، ويأمر بالمجادلة الحسنة والحوار. وهذا يؤكد قوله تعالى «أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن» سورة النحل آية 125. وكذلك قوله تعالى «لا إكراه في الدين» سورة البقرة، آية 256. والواقع أن كلمة الرهبة في القرآن الكريم لم تستخدم إلا مرة واحدة بالمعنى الذي يفيد مفهوم الردع من خلال قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم» سورة الأنفال، الآية 60.
وقد وضع الإسلام منذ اكثر من أربعة عشر قرناً أول تشريع قانوني متكامل يحدد الجرائم الإرهابية ويبين صورها ونماذجها والجزاءات الواجبة التطبيق على مرتكبيها. فقد واجهت الشريعة الإسلامية مرتكبي جريمة الحرابة والبغي، التي تعتبر في الاصطلاح المعاصر ضمن الجرائم الإرهابية، بأشد العقوبات لما فيها من محاربة لله وإفساد في الأرض.
ولا بد في هذا المقال أن نشير إلى أن أكثر المصطلحات التصاقاً بالإرهاب من وجهة النظر الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً هو الجهاد الإسلامي.
حيث يربط بين معظم السياسيين والفقهاء الغربيين مفهوم الجهاد بالعنف والتغير الثوري، في حين أن مفهوم الجهاد في الإسلام هو بذل الجهد في سبيل الله، وهو وسيلة لرد العدوان وليس غاية في حد ذاته. والتعاليم الإسلامية واضحة في هذا الخصوص، فالإسلام يرفض العنف ويحرّم الإرهاب عن طريق استخدام القوة بشكل غير مشروع.
وهذا ما أكده مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف عندما قال في بيانه بتاريخ 4/11/2001 ان الإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الانسانية بغياً وإفساداً في الأرض. ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن يبحث عن المجرمين، وان تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة بشأنهم. واما مفهوم الجهاد فهو يهدف إلى الدفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض، ونهب الثروات. فهو بذل الجهد نصرة للحق، ودفعاً للظلم، وإقراراً للعدل والسلم في كل ميادين الحياة.
فالاسلام وضع أحكاماً ومبادئ تحرم قتل غير المقاتلين، كما تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال، أو قتل المسلمين أو إيذاء الأسرى، أو التمثيل بجثث القتلى، أو تدمير المنشآت والمباني التي لاعلاقة لها بالقتال. وهذا عكس ما قامت به القوى الغربية بحجة مكافحة الإرهاب وملاحقة الأصوليين الإسلاميين.

ضرورة التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة:
يخلط الكثير من الكتاب الغربيين بين الإرهاب من جهة والمقاومة الشرعية من جهة أخرى، متجاهلين الواقع الذي يحتم عليهم مراعاة الفروق الجوهرية بين الأعمال التي تشكل إرهابا، وبين نضال الشعوب في سبيل الحرية والاستقلال. فالارهاب يمارسه أشخاص خارجون على القانون والشرعية، بينما تتولى المقاومة المشروعة جماعات ومنظمات تدافع عن أرضها وحقها في تقرير المصير وهو حق مشروع ومقبول في كافة المواثيق الإقليمية والدولية. ومما يساعد على هذا الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة وبالتالي ممارسة الخداع والتضليل هو عدم وجود مفهوم واضح ومحدد ومتفق عليه للإرهاب. فالدعوة إلى تحديد معنى الإرهاب والوقوف على أسبابه لقيت معارضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بهدف استمرار استخدام ذريعة لمكافحة الإرهاب في تبرير الأعمال العدوانية التي ترتكبها هاتان الدولتان تجاه الدول المعارضة لسياستهما.
لذلك لابد من التوقف عن الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة بغية إيجاد الحلول الكفيلة بوضع حد له. ولوضع معايير موضوعية واضحة المعالم للتمييز بينهما
هناك بعض المحاولات التي نادت إلى اعتبار الدافع الوطني الذي تعمل في سياقه حركات التحرير الوطنية كمعيار للتمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، حيث أن أفراد المقاومة يلجأون إلى استخدام السلاح بدافع وطني يهدف إلى تخليص أرضهم من براثن الاحتلال العسكري أو الاستعمار الاستيطاني، خلافاً للجماعات الإرهابية التي يحركها دافع العدوان أو الاستعلاء على الشعوب أو الحصول على مغانم خاصة غير مشروعة أو بغرض السلب أو النهب والترويع. ويرى آخرون بأن معيار القوى التي تجري في مواجهتها عمليات المقاومة هو الذي يجب اعتماده للتمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة. فالمقاومة تتم عادة في مواجهة عدو أجنبي فرض وجوده بالقوة العسكرية، أما الأنشطة الإرهابية فإنها توجه عادة إلى أهداف محددة داخل المجتمع أو خارجه كسبيل رمزي بهدف إبراز ما تسعى إليه الجماعات الإرهابية إلى تأكيده في أوساط الحكومة أو النظام السياسي القائم.
وما نراه هو انه ينبغي التركيز على المعيار الأهم والأبرز وهو معيار الشرعية. بمعنى أن كل عمل من أعمال القوة يتم بهدف تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال ومقاومة العدوان، ويوجه ضد من ثبت بموجب القرارات الدولية انه محتل لاراضي الغير بدون وجه حق، هو مقاومة مشروعة، وكل ماعدا ذلك هو إرهاب.
وعلى هذا فإن استخدام القوة المسلحة من جانب الشعوب المحرومة من حقها في تقرير مصيرها، بهدف الوصول إلى الحرية والاستقلال، هو حق اصيل ومشروع وثابت وفقاً للقانون الدولي وأحكام القضاة وآراء الفقه والاجتهاد. وأن استخدام القوة المسلحة في مثل هذه الحالة لا يعتبر من قبيل الإرهاب، ولا يمكن أن يطاله الحظر أو التجريم بأي حال من الأحوال. بل ينبغي أن يحظى بكل دعم وتأييد، لأن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو من القواعد القانونية الملزمة ذات الصفة الآمرة وفقاً لقواعد القانون الدولي المعاصر.

* استاذ القانون الدولي في جامعة الملك سعود

الشرق الاوسط 24 ابريل