سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد محمد طاهر الخاقاني دام ظله – سلام عليكم

1 – س – نجد ان الاديان بصورة عامة في معرض التهمة في كونها تصادر حريات الآخرين وتحجر على عقولهم فعل هذا صحيح يا ترى؟ نرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة.

ج – الملاحظ من جميع الاديان الواقفية لم تسلب حرية الانسان وانما تحمّله تكاليف واحكام سواء كانت وضعية ام تكليفية وتحمل الانسان مسؤولية قانونية يجب تطبيقها سواء كانت تلك الاحكام وردت لجهة اخلاقية ام عبرها من مسائل الاحكام الاخرى كالالتزام بالانظمة الاجتماعية او التربوية او الاقتصادية او النفسانية او الامور العقائدية او التشريعية ونحوها.

و اما ما ورد في الدين الاسلامي فيسير على طبق الحريات ولذا ورد عن الامام(ع) لا جبر ولا تفويض بل امر بين امرين وقد قسم الاسلام الحرية على انواع.

1-       الحرية الفردية مثل قوله تعالى انا هديناه النجدين.

2-       الحرية الاجتماعية مثل قوله تعالى وامرهم شورى بينهم.

3-       الحرية العقائدية وهو ان يفحص في المعرفة والوصول الى طريق الرشاد.

4-       الحرية الاخلاقية وهو الميل الى تعادل الصفات فلا ينساق الى طرف الافراط ولا الى طرف التفريط.

و هذا بالنسبة الى الاخلاق النظرية كما ان دور الاخلاق العملية وهو الممارسة في مقام التطبيق العمل كما نشاهد سلوك ائمة الهدى(ع) مع سائر المجتمعات كممارسة الكرم مع الضعفاء والمحتاجين كما سلكه الامام الحسن(ع) وحمل الجراب على ظهره لمساعدة الفقراء في الليلة الظلماء او قيام امير المؤمنين(ع) وحمل السمن والدقيق على ظهره ودخوله في بيت المرأة التي كانت توقد القدر من غير طعام لاسكات اطفالها من الم الجوع فان مثل هذا ونحوه يعطي الدور الاخلاقي والممارسة في ترويض النفس وتحسس المسؤولية وهي ايضا من نوع الحرية في الجانب الاخلاقي.

2 – س هناك حملة تشن ضد الاسلام وجه اصحابها مختلف التهم للدين الاسلامي فما هو المقصود يا ترى من هذه الحملات؟

ج – بما ان الاسلام يرتكز على قواعد علمية وقوانين منطقية ثابتة فلا تتلائم مع اغراض اعداء الاسلام ولذا كان التركيز على توجيه التهم الباطلة الا ان الحقيقة لم تنعدم وان الاسلام اخذ يقود العالم بالعلم والمعرفة ولذا يخاف منه مستقبلا وقد اماط كل ندّ عن مقاصده واغراضه في الطعن ضد الاسلام لاجل ايقافه وعدم سريانه الى عقول العرفاء. انظر الى مثل الفيلسوف الفرنسي (جامرودى) في العصور المتأخرة وغيره قد اعلن الاسلام فالمجمع المسيحي او المجتمع اليهودي يخططان ضد الاسلام لايقاف غزوه الفكري في عقول ابنائه.

س 3 – يرى البعض بان الاسلام دين لا مكان للحوار فيه بل قام على القوة وسحق افكار الآخرين ما هو راي سماحتكم في هذا القول؟

ج – ان الاسلام دين الفطرة ودين المحبة والصفاء قد فتح كلا ذراعيه للعلم وقال رسول الله(ص) انا مدينة العلم وعلي بابها وذكر في قوله تعالى اقرء باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرء وربك الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم فالدين الذي قوامه المعرفة والحركة العلمية لابد ان يعد لهداية البشرية جمعاء بلين الخطاب ولذا قال تعالى وجادلهم باللتي هي احسن فكان منطقه فتح المناقشة والحوار البناء باسلوب اخلاقي رفيع من غير ان تشويه العصية والتوتر من غير برهان.

س – 4 – هل صحيح ما ينسب الى الاسلام من انه يهمش دور المرأة في الحياة ولا يعترف برأيها؟

ج – ان ما ثبت في حقوق المرأة في رسالة الحقوق للامام زين العابدين ومكارم الاخلاق وجامع السعادات وعلم الاجتماع بين المتغير والثابت مما يؤكد ان الدين الاسلامي اعطى للمرأة مكانتها وقيمتها المعنوية والمادية ولم يبخس من حقها مثقال ذرة واحدة كما انه بعين ذلك جعل للرجال الدور القيادي والادارة في تنظيم شئونها من غير سلطة ولا قسوة ولا سلب حرية فاذا خالف الرجل ما اثبته الإسلام في حقها عليه فالقصور من جانب الرجل حيث لم يطبق ناحية التشريع القانوني في الإسلام واليك بعض النماذج لحقوق المرأة كما ورد في كتاب الاخلاق للعلامة السيد عبد الله شبر في قوله ((واما حقها عليه ان يسد جوعتها ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها)) وقال رسول الله(ص): خياركم خياركم لنسائكم وفي رواية خيركم خيركم لنسائه وانا خيركم لنسائي وقال(ص) عيال الرجل اسراؤه واحب العباد الى الله تعالى احسنهم ضيعًا الى اسرائه – الاخلاق ص 119.

و ورد في رسالة الحقوق للامام زين العابدين(ع) ((فان تعلم ان الله جعلها سكنا وانسا فتعلم ان ذلك نعمة من الله تعالى عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها اوجب فان لها عليك ان ترحمها لانها اسيرك وتطعمها وتكسوها واذا جهلت عفوت عنها)) ان مثل هذه الحقوق التي اقرها الاسلام للمرأة وغيرها من الحقوق الاخرى كحق الفراش والحضانة وتربية اطفالها بالاضافة الى حسن المعاشرة معها وجعلها السيدة في محيط اسرتها فهذا هو النظام الاسلامي الرفيع.

س – 5 يقال ان الإسلام يمارس المشورة الشكلية فقط بدليل ان هناك امر في ذيل الآية (و شاورهم في الامر) فاذا عزمت فتوكل على الله. الذي يدل على ان ممارسة المشورة في الإسلام شكلي فقط فما تعليق سماحتكم على هذا؟

ج – يفرق في الاحكام في توجهها نحو المكلفين تارة على نحو الالزام سواء كانت من نوع الحكم الوجوبي ام التحريمي وهي المسماة بالاحكام التكليفية ام كانت الاحكام مستندة إلى الامور الوضعية كالصحة والبطلان فاذا توجهت نحو المكلفين لم تكن لهم ارادة في الرفض وانما عليهم الانقياد والطاعة للاوامر الالهية كما ان توجد احكام يمكن ان تكون محل ترجيح في اعمالها كما بالنسبة إلى الاحكام الاستحبابية كالعبادة في المسجد وزيارة المريض وتوديع الصديق والتحريض على صلة الرحم فانها امور استحبابية راجحة وهناك احكام تضع المكلف مخير بين رفعها وتركها فهو الامور المباحة كشرب الماء او تناول طعام من بين الاطعمة وهكذا كما يوجد بعض الاحكام يرشد إلى تركها افضل من استعمالها كالبول تحت الشجرة المثمرة.

و اخرى ينظر إلى بعض الامور بما يراعي فيها خفاء المصلحة وعدم الاطلاع عليها فاذا ارجع الامر إلى ذوي الاطلاع والخبرة وتدارس الامر مع الاشخاص الذين لهم الاطلاع مثل ارادة المتداول في تجارة خاصة او الاستشارة على اخذ القرآن من قناة معينة وهكذا فان الإسلام دين الحرية ودين العدالة والانصاف وقال الامام(ع) لا جبر ولا تفويض بل امر بين الامرين فالمشورة لابد ان تجد مصداقيتها حتى تحل في موضوع مناسب لها اذا المشورة قد تكون في الامور العرفية والجهات الاعتبارية فيمكن ان يكون لها موقع حسن واما المشورة في الامور القانونية او القوانين الثابتة فلا مجال لتطبيق المشورة لان الموضوع مما يابى ذلك.

و ثالثة ينظر للمشورة او الشورى بعنوان كلي عام بمنظار طبقة الانبياء والاولياء، فذاك انما قصد به لاجل ايجاد الانطلاق الفكري للمجتمع البشري ولا يقصد به شخص النبي(ص) او الولي(ع) لانهما يعلمان بنتائج الامور وعواقبها وهذا بيان لا سمى مراحل الحرية.

س6 – في رايكم ما هي الوسيلة الناجحة الكفيلة بجعل الإسلام مورد قبول من قبل الناس كافة؟

ج – قبل كل شيء لابد ان يعرف فلسفة التشريع والاهداف التي اخذت بقالب تشريعي ثم خلق التضامن الاجتماعي وتأليف القلوب المسلمة بين بعضها البعض ونبذ الانانية والفرق وان يكون الحب والبغض لله.

و بعد ذلك يأتي دور التطبيق العملي للاخلاق الفاضلة التي رسمها النبي(ص) لأمته فاذا تمت هذه المراحل فان المجتمع البشري سوف ينظر للاسلام نظر تقديس وانقياد قهري واهم الدعوة إلى ذلك تشكيل لجان تطبيقية تمارس هذا السلوك الاسلامي وتسليط الاضواء على تلك اللجان الممارسة في التطبيق العملي بعد ترويض نفساني برهة فاني اعتقد ان من يشاهد هذا السلوك العملي سرعان ما يقع محاكيا له وينقاد نحوه قهرا لا مجرد المحاكاة الشكلية وانما يعكس محاكاة ارادية واقعة من التصور والشوق والميل والارادة المحركة نحوه على نحو الاذعان والتصديق وبالجملة ان العالم الاسلامي مفتقر إلى بنية عقائدية واقعية وإلى تشكيل لجان متسمة بالجانب التطبيقي والسلوك العملي دون اخذ الإسلام بالمظاهر الشكلية كقصر الثياب وتطويل اللحا ونتن الرائحة فان الإسلام بعيد عن هذه الصور المرعبة وانما يتمتع بحسن المنظر وطيب الرائحة وقداسة النفس وحسن المعاشرة.