يونس عبد الجليل ـ سوريا

في العدد الاول من صحيفة الوحدوي السورية الجديدة كتب الدكتور محمد شحرور العدد الاول من مقال بعنوان (الاصولية الاسلامية.. الى اين) وفي هذا المقال ابتدأ الدكتور شحرور بعرض حال الحركة العقلانية في اوروبا وما رافقها من ظروف وملابسات قادت الى التنكر للدين جراء الممارسات الديكتاتورية والعنف الذي كانت تمارسه السلطات الدينية بحق المفكرين.

بعدها انتقل الى العالم الاسلامي ليخوض في ظروف وملابسات الحركة التقريرية فيه مقارنة بالاوروبية ليجد فيها اختلافا مع الحركة التنويرية الاوروبية، وذلك من خلال ايراده ثلاثة جوانب هي:

1- السلطة السياسية: فانتقد من خلال هذه النقطة التعريف الاموي للقضاء والقدر، والذي ذكروا فيه ان كل شيء مكتوب سلفاً انطلاقا من قوله تعالى (قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا) التوبة/51 وقد اجاد الدكتور في ذلك، ولكنه اخفق بين فصل بين طاعة الله وطاعة الرسول مستنداً الى الآية الكريمة (واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم) متهما العلماء بتجاهل هذا الفصل في الوقت الذي تجاهل هو فيه قوله تعالى (انما وليكم الله ورسوله…) المائدة/55، فهل فصلت الآية هنا بين الولايتين.؟

2- وجود الشريعة: وهنا يرى الدكتور اختلافا عن الوضع في اوروبا، وهذه الشريعة مما لا يمكن فصله عن الدولة حسب رأي الدكتور، وهذه المشكلة لم تكن اوربا قد واجهتها.

3- تفسير الكون: ويرى الدكتور شحرور بانه في الوقت الذي تخلصت فيه اوروبا من التفسير التوراتي للكون وقوانينه، لم نستطع نحن التخلص من ذلك لان هذا التفسير انغرس في تراثنا بعد ان دخله تحت اسم «الاسرائيليات». متسلحاً بحديث ينسب الى النبي(ص) هو: «حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج». وهذا القول من الدكتور صحيح الا انه ليس كذلك على الاطلاق فليس كل ما هو موجود من الاسرائيليات ولعله لم يكن قد اطلع على تراث الامامية الذين اتبعوا اساليب شديدة في سبيل تمييز الصحيح عن غيره وهذا هو ما صرح به الدكتور نفسه الذي قال في الحلقة الثانية من مقالته بافتقاده للمصادر الشيعية، عليه لا يمكن تعميم نتائجه.

ومما عقد المشكلة الاخيرة انقسام الامة الى مذاهب لكل مذهب فكره ورجاله ومنهجه.

فالحركات الليبرالية اخذت بالمنهج الاموروبي فرفضت الفقه والشريعة، والحركات الماركسية امر وادهى فهي آمنت بالحتميه التاريخية فشابهت الامرين في مسألة القضاء والقدر، والحركات القومية طرحت مفهوم العلم والتقدمية والحداثة وحولتها الى دونما، فتمت مصادرة الحريات تحت شعار الوحدة والتقدمية، واستقرت مصطلحات مثل رجعي، خائن، مقابل ملحد ومشرك عند الاسلاميين، وراسمالي وامبريالي، عند الشوعيين اما الحركات الاسلامية، وانطلاقاً من خضوع السلطة الدينية للسلطة السياسية ـ بخلاف اوروبا القرون الوسطى ـ فقد قامت على الاسس التالية: طرح شعار حاكمية الله لسحب السلطة السياسية من الحكام، والدينية من المؤسسات الخاضعة لها.

واعتمدت كذلك على التراث فلم تقدم طرحاً جديداً للدولة والمجتمع.

ويقع الدكتور شحرور هنا كما وقع سابقاً فالتراث يحمل لنامساحات للحريات ما كان العالم ليحلم بها في ذلك الزمان فكان يفترض فيه ان ينتقد هؤلاء الذين تمسكوا بجانب وتركوا الاخر فلم تفتح عيونهم على ذلك الطرح الاسلامي الجميل للدولة.

فهؤلاء ـ وكما قال الدكتور واصاب ـ قادتهم سذاجتهم، رغم حرصهم على دينهم الى معالجة مشاكل الدولة والمجتمع الى استعمال العنف المسلح والارهاب و ذلك للاسباب التالية.

1- ضعف الطرح السياسي: وقد اجاد الدكتور في طرح هذا السبب والخلط الذي وقع فيه هؤلاء بحيث لم يميزوا بين السياسة والكفر، والجهاد والعنف، فهذا الخلط وغموض الفهم مع وجود العاطفة نحو الدين قاد الى اعمال العنف المسلح.

2- الاستبداد السياسي في العالم الاسلامي، والذي تعج به اغلب حكوماتها، فالحكومات ذات الشرعية الناقصة تحاول الوقوف بوجه السلطات الدينية التي تريد سحب السلطة عنها فيقع العنف، و تصبح المسألة شبيهه بمسألة من جاء اولاً البيضة ام الدجاجة؟

3- الفراغ الذي احدثته حرب 1967، حيث انبرى هؤلاء لملئه ولكن بخبرات زائلة تاريخيه ابدعها اصحابها لزمنهم في زمنهم.

فيخلص الدكتور محمد شحرور الى القول: ـ «من هنا نرى استحالة ان تنجح هذه الحركات الاسلامية السياسية، وان تفوز بالشرعية الا اذا طرحت نظرية اسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع تفرد محلاً للرأي والرأي الآخر، والمعارضة، ومملاً لتداول السلطة والاستفتاء، والبرلمان، وحرية العقيدة، ومحلاً لدور المرأة وحقوق الانسان العامة والخاصة».

هذه النتائج التي خلص اليها الدكتور محمد شحرور انما انطلقت من رؤية ناقصة للتاريخ الاسلامي والتراث الاسلامي، وهذا ما يمكن ان نحمل كلامه عليه، ولا نستطيع اكثر من هذا الحمل. والا فاين هو من تجربة علي ابن ابي طالب (ع) في الحكم، والتي كان يقف الخارجي خلالها امامه ليقول: قاتله الله من كافر ما افقهه، وأين هو من تلك التجربة الفريدة التي يوصل علي (ع) عطاء الخوارج، ومخالفيه الى منازلهم؟

فلا حسب ان الدكتور سيطلب طرحاً معاصراً مع وجود هذا الطرح في التراث الاسلامي، والذي لا يتطلب اكثر من نظرة على تراث جميع الامة الاسلامية لا بعضها.