لقد شاءت الظروف أن يتزامن الوقت الذي يجب أن تكتب فيه الحلقة الثالثة من سلسلة (اللاعنف في ضوء حركة الانبياء ، والمخصص ذكرها للرسول الأكرم(ص) مع ذكرى مولده الشريف ولا يسعني في هذه الذكرى المباركة إلا أن أتقدم بخالص التهاني لأمتنا الإسلامية في هذه الذكرى العطرة والتي نتمنى أن يجعلها الباري تعلى مناسبة لجمع كلمة المسلمين جميعاً على التقوى وحب الله مسترشدين بسيرته (ص) .

أن الكلام حول اللاعنف في حركة النبي محمد (ص) ليس في وسع هذه السطور القليلة الاحاطة به والالمام ، وذلك أن سيرته (ص) حافلة باللاعنف سواء قبل هجرته الشريفة حين كان وقلة من الذين آمنوا به ضعفاء العدد والعدة ، صلاب الإيمان والعقيدة ، أو كان ذلك بعد هجرته وإقامته الدولة الإسلامية على أرض يثرب التي نوّرها الله بورود رسوله الأكرم (ص) إليها وإقامته فيها ، أي حين كان رسول الله يمتلك العدد والعدة ، وهذا فيه رد على مزاعم أعداء الإسلام ، ومن يحذو حذوهم في اتهام الدين الإسلامي بكونه يتوسل بالرفق واللاعنف حين كان اتباعه قليل ، أما حين قويت شوكته فإنه لجأ إلى العنف وفرض نفسه بالسيف .

ونحن هنا لسنا بصدد الرد على مزاعم هؤلاء وإنما نسوق مثالين من سيرة رسول الله (ص) أحدهما قبل الهجرة والآخر بعدها على مدى توسل صاحب الرسالة باللاعنف في سبيل دعوته سواء قبل الهجرة أم بعدها ، وفي هذين المثالين رد كاف على المزاعم السابقة الذكر .

فكلنا يعرف بأن رسول الله (ص) قد ناله ما ناله من شرار قومه الذين حاولوا بالإرهاب والعنف تارة ، وبالترغيب أخرى أن يحولوا بين الرسول وبين هدفه في نشر الدعوة حتى قال (ص) في ما ناله من الأذى : (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) .

ولكن ومع كل ذلك لم يكن ليتوسل بالعنف يوماً حتى مع ازدياد أنصاره ، ومَنَعة قومه له ، ولم يكن يزيد في مقابلة قومه على قوله : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) .

أما بعد الهجرة ، وحين أعزّ الله الإسلام وقويت شوكته فلم يكن رسول الله لينتهج نهجاً مغايراً لما انتهجه قبل الهجرة ، فكم من أذى تعرض له من قبيل (أعدل يا محمد) ، وشد رداءه حتى أثَّر أثره في عنقه الشريف ، ومسك لحيته عند الخطاب معه ، ومحاولات اغتياله ، ولكنه ومع ذلك لم يكن ليتوسل بالعنف يوماً في قبال هذه المواقف وهو الحاكم الذي لا يفتقر لغير الاشارة فيما لو أراد مقابلة المذكورين وغيرهم بالعنف ، ولكن دعوته (ص) لم تكن قد قامت على مبدأ العنف أساساً .

لذا أقول ما أبعدنا عن سيرة رسولنا الأكرم ، وما احرانا في هذه المناسبة العطرة أن نرجع إلى سيرته الشريفة لننهل منها دروس التعامل السلمي مع من يختلف معنا في الرأي .