ما دام العالم لم يتخلص بعد من سيطرة الواحد الذي يعد الآمر الناهي الذي لا يكون الا ما يتفق مع مصالحه فان الحلم بعموم العدالة في العالم اجمع يبقى معلقاً حتى يعاد ترتيب الأوراق التي تحكم عالمنا.

ومن المشاريع الهامة التي لا زالت تراوح مكانها مشروع المحكمة الجنائية الدولية التي تختص بالنظر في قضايا مجرمي الحرب، ومرتكبي الجرائم بحق الانسانية.

فلا زالت هذه المحكمة تصطدم بعقبة القطبية ومقتضياتها، فلم نعهد تقديم واحد على جانب من الخطر على الانسانية الى تلك المحكمة اللهم إلا شاب صربي متهم بالمشاركة بارتكاب مجزرة ضد مسلمي البوسنة، وقد قيل بانه يعاني من مرض نفسي، وكذلك واحد من الزعماء الصرب قبل مدة.

ولكن كلما تحركت قلوبنا فرحاً باحتمال ممارسة هذه المحكمة لدورها الهام، عادت افراحنا اتراحاً حين تصطدم آمالنا بحجر القطبية الفردية.

مؤخراً قيل بان قرارات المحكمة سوف تكون فوق حق الفيتو، ولكن هل ما سمعناه من الصحة بمكان بحيث يمكننا ان نؤمل انفسنا بمشروع المحكمة بعملها في الطريق الصحيح وفق الاستقلالية المطلوبة ام ان هذا هو كلام اعلامي لا يتعدى حدود وسائل الاعلام التي تناقلته؟

ثم انه لو قدر وان منحت هذه المحكمة تلك الاستقلالية اللازمة لعملها فأي قانون سوف تطبق وأية مفاهيم، والحال ان المفاهيم التي تعد من صميم عملها كمفهوم الارهاب والعنف لا يزالان يعيشان حالة التعويم المقصود، وعدم اعطاء التعريف الصحيح لهما لئلا ينطبق هذا التعريف على من لا يريد بعض اصحاب الفيتو ان ينطبق عليه.

اذن فالمسألة في كل الاحوال سواء منحت المحكمة الجنائية الاستقلالية اللازمة ام لم تمنح فان النتيجة واحدة هي عدم توفر الوسائل الاخرى اللازمة لعمل المحكمة.

ثم ان الجهة التي بيدها تنفيذ قرارات المحكمة – فيما لو قدر لها العمل – بيد من، ولصالح من؟

وهل سوف يكون التنفيذ جدياً، وعلى قدم واحد ام ان هناك من هو مسكوت عنه عن مجرمي الحرب، ومن لا مصلحة في السكوت عنه؟

فهذه يوغوسلافيا تحوي الكثير من مجرمي الحرب ولكن ليس هناك من يتخذ التدابير الفعلية بمحاكمتهم، بل الانكى من ذلك ان مجرمي الحرب يكافأون بمنحهم اللجوء والامان، فاذا كانت المكافأة لمن يرتكب المجازر البشرية هي توفير الامن والامان له عند اللزوم، فأي رادع يردع اولئك الذين يحملون نوازع العداء والشر إزاء البشرية في ان يعيثوا الفساد في الارض؟

ام ان في النية ان يكون السعي الجدي ازاء قضايا كهذه هو بعد فوات زمن يموت فيه بعض هؤلاء المجرمين، ويهرم آخرون بما لا فائدة ترجى من عقابهم كما يحدث الآن في كولومبيا؟

فضحايا من كان يملك زمام الحكم من الخمير الحمر في كولومبيا اواخر السبعينات بلغ مليون وسبعمائة الف انسان.

والآن وبعض مضي اكثر من عشرين عاما على ذلك تحركت الامم المتحدة للتنسيق مع الحكومة الكمبودية لدراسة مشروع قانون يقضي بتقديم من بقي من المسؤولين من الخمير الحمر حياً الى المحاكمة ولكن ذلك مرهون بموافقة مجلس الشيوخ في كمبوديا على مشروع القانون، والذي علق عليه البعض من المسؤولين الحاليين في كمبوديا بانه: (سوف يدوم شهوراً وربما سنين) والى ان تتم مصادقة مجلس الشيوخ على مشروع القانون يكون المطلوبون للعدالة قد شبعوا موتاً، وسكنوا المقابر.

اذن ففي ضوء هذا الاهمال المقصود ازاء المحكمة وعملها، لينعم المجرم ما دام تحريك الدعوى ضده إنما يتم بعد سكنه التراب