لقد أثارت التدخلات التي قام بها حديثا فريق طبي استرالي بجامعة «موناش» للقضاء على العقم جدلا واسعا في الاوساط الدينية والطبية في مصر، خاصة ان هذه العملية تقوم بتلقيح بويضات المرأة من دون استخدام خلايا أخرى من الجسم سواء من الرجل أو المرأة نفسها.

 فقد أعلن الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر موافقته على حمل المرأة وانجابها بتلك الطريقة الجديدة ما دامت الخلايا تؤخذ من الزوجين، في حين اختلف الأطباء حول مشروعية الانجاب بهذه الطريقة.

 وأشار العلماء الاستراليون الى ان هذا الاسلوب الجديد في تلقيح البويضات سيمكن النساء من الحمل والانجاب، خاصة في حالة عقم الازواج أو اذا كان الزوج لا يستطيع انتاج الحيوانات المنوية أو ينتج حيوانات منوية غير قادرة على التخصيب وذلك بأخذ خلايا أخرى من جسمه غير المنوية. ويؤيد الدكتور عبد العظيم المطعني عضو المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية في القاهرة، واستاذ الدراسات العليا بجامعة الازهر، الانجاب بهذه الطريقة حيث يؤكد ان الاسلام أمر المسلمين بالعلاج، والانجاب عن هذا الطريق ما دام لم يحدث اختلاط عناصر أجنبية غير العناصر المأخوذة من الزوجين فلا مانع منه، وهذا الاسلوب يشبه الطريقة التي تستخدم في اطفال الانابيب.

 بينما رفض الدكتور عبد العزيز فرج، استاذ الفقه في كلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر بالقاهرة هذا الاسلوب في الانجاب، وقال: ان الانجاب معروف وطريقته معروفة بنص القرآن والسنة، فالحمل يكون نتيجة لالتقاء الرجل بالمرأة (الاتصال الجنسي) أما ان تحمل المرأة بدون هذا الاتصال الجنسي فهذا أمر غير متصور اجتماعيا ومرفوض من الناحية الشرعية، معتبرا ان هذا بدعة من بدع الغرب، وان مثل هذه الأمور قد تفتح الباب للتدليس على المسلمين في أمور دينهم.

من جانبه، أكد الدكتور صفوت حسن لطفي رئيس جمعية الاخلاقيات الطبية في مصر ان هذه التجارب عبث شيطاني وحتى في حالة نجاحها فان الابناء الذين ينجبون بتلك الطريقة سيكونون ضعافا ومصابين بالأمراض، مشيرا الى وجود جرائم أخلاقية كثيرة ترتكب في هذه التجارب كما ان هذه التجارب تعد تحديا للنص القرآني! حيث قال سبحانه وتعالى:  «ويجعل من يشاء عقيما». وقال : ان هذه التجارب مجرد تحايل على الطرق الطبيعية للانجاب وتلاعب بآمال الذين يتطلعون للانجاب، مؤكدا ان كل المراكز المتخصصة في العقم والذكورة في البلاد المتقدمة أو في الدول النامية تنتشر فيها الجرائم غير الأخلاقية على نطاق واسع، حيث يلجأ بعض الاطباء الى تلقيح بويضة المرأة بسائل منوي غير سائل زوجها بدون علم الزوجين حتى يحقق نجاحا في العلاج والحصول على الأموال.

واشار الى ضرورة توجيه البحث العلمي الى وسائل علاجية لأمراض العقم وغيرها بطريقة شرعية، أما التحايل بطريق غير مشروع فإنه مرفوض تماما من الناحية الاخلاقية والدينية والاجتماعية.

اقول: المسألة ذكرها الامام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله وتغمده في كنف رحمته) في كتبه الفتوائية (الف مسألة مستحدثة) واستفتاءاته وكذلك ناقش تفاصيلها وادلتها في موسوعته الفقهية: الفقه (كتاب النكاح وكتاب المسائل المتجددة) قبل اكثر من ربع قرن، وقد حاربه آنذاك بعض علماء الشيعة معللين ذلك بعدم الامكان العلمي!! اذ ان الانسان عدو ما جهله كما قال الامام امير المؤمنين علي (ع). واليوم وبعد مضي الزمن نرى بعض من تصدى للمرجعية والفتوى افتى بجواز الاخصاب حتى من مني غير الزوج!

اما ماذكره الاطباء حول هذا الموضوع بالذات من ان العلاقة الحنسية  فقط موجبة في التكاثرولاغير، او ان مثل هذا التطور العلمي يوجب التغيير في الخلقة، او انه يُستغل لاغراض اخرى وما الى ذلك، فانه قد يناقش بامور:

الاول: يقول علماء الاصول: اثبات الشيئ لاينفي ماعداه. وهذا العمل لم يكن تحديا للنص القرآني على الاطلاق. وانه سبحانه اراد كون البعض عقيما من باب الظواهر، وان كثرت التجارب لا تلغي ارات الرب جلّ وعلى ، الا اللهم نقول بعدم قدرة الباري تعالى في مواجهة التطور العلمي، وهذا لايقول به عاقل، ولوقال به عن عقيدة لكفر بالله تعالت قدرته.

الثاني: من ميّزات الاسلام انه كلّم الناس على قدر عقولهم. والعقول في ذلك الزمان لم يتحمل مثل هذه الامور. ولوقال احد بمثل ذلك او بما سيحدث في آخر الزمان من تطور علمي وتكنولوجي و..  لكانت التهم تترى اليه ويقولون : انه لمجنون.

الثالث: ان عدم تصوّر المجتمع او عدم قبوله لايعني عدم مشروعية العمل. نعم ربما يفيد ذلك لعدم التصريح به وذلك من باب (لا كل مايُعلم يقال) و( كلُم الناس على قدر عقولهم).

الرابع: التدليس حرام بالاجماع ومالم يتم التليس لايُحكم عليه ، ومثل ذلك لو ان الانسان قطع آلة الذكورة لانها ربما تكون سببا للزنا والعياذ بالله!

الخامس: اما كون ذلك  شيطاني، فقد اصبح مثل هذا التعبير من تعابير القرون الوسطى.

السادس: كون هؤلاء الاطفال ضعافا فان العلم اثبت (سابقا) من ان الممارسة الجنسية السليمة بين الرجل وزوجته وطول مدت المداعبة تؤثر في صحة جسم الجنين وقواه العقلية، وهذا النقص الطبيعي  وربما تتم معاجته لاحقا.

السابع: ان انتشار الجرائم في العالم واقع حتى في المشروعات مثل جراحة القلب والاعضاء و… فالجريمة محرمة لا العمل الجراحي.

الثامن: اما انه تحايل على الشرع فهذا كلام مردود، اذ:

اولا: لادليل على عدم قبول التطوّر العلمي مالم يُخالف الشرع .

ثانيا: قال صادق آل محمد(ع) في الحديث الصحيح المتواتر: نعم الفرار من الحرام الى الحلال.

ثالثا: الفقهاء اُمناء الرُسُل، كما جاء في الحديث، ولو اتُهم الفقيه بالتلاعب في الشرع لما بقي في الاسلام شيئ.

الرابع: اما التحايل (كما اسماه البعض) في الشرع، فبعضه جائز وافتى به الفقهاء في مثل: استعمال المرأة الطرق الطبية الحديثة لتقديم او تأخير الطمث فيما ارادت الحج  وذلك تيسيرا لها. واستعمال اللفظ (التحايل) هنا من باب المجاز لا الواقع. وعلى اية حال فعلى المكلف ان يستفتي من الفقهاء في المسائل المستحدثة.

والملفت للنظر الموجب للتأمل ههنا هو:

ان رشق التهم وانه (بدعة في الدين)  او (ان هذا مخالف للشرع) او (انه لم يكن في عهد رسول الله (ص)) ربما يكون من اشد انواع البدع . اذ:

1-  لم تكن السيارات ولا الطائرات والتكنولوجيا و.. موجودة في زمن الرسول(ص) فلماذا يستعمل هؤلاء هذا التطور في مختلف شؤونهم الاجتماعية والسياسية؟

2-    ولم تكن الملوكية والجمهورية ومختلف انواع الحكم في عهد الرسول(ص) فلماذا لانفتي بحرمة التعامل مع هذه النماذج؟

3-    الحدود الجغرافية باجماع الفقهاء لم تكن في عهد الرسول(ص) فلماذا لانرفضها؟

4-    المكوس والضرائب التي ورد النص الصحيح والمتواتر في حرمته، فلماذا لانواجهها بالفتاوى والمواقف السياسية والاجتماعية؟

5-    وكانت التجارة والسفر و .. لاتحتاج الى اجازة او جواز مرور وما الى ذلك.

6-    وكان المسلم العربي وغيره و الابيض والاسود و.. في الشرع سواء ولافضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى وان اكرمكم عند الله اتقاكم.

7-    وكان بيت المال للجميع من دون استثناء. فاين بيت المال اليوم ليسد الثغرات الموجودة في المجتمع الاسلامي.

8-    وغير خفي على المتتبع في ان نمط الحياة قد تغيّر كلياً منذ عهد الرسول(ص) فالملابس والمساكن و… فلماذا نلبسها و نسكنها ؟.

ولذلك نقول: ان اصدار مثل هذه الفتاوى توجب تضعيف النفوس وتسبب الفرقة بين صفوف المسلمين واشمئزاز غيرالمسلمين وربما يكون ذلك سببا لتشويه سمعة الاسلام ، واذا كان كذلك فانهحرم باجماع الفقهاء.

والله الموفق وهو المستعان .

                                                                                                                                                                محمد تقي باقر

  واشنطن     

15/2/2002