اجمع فاعلون سياسيون وجامعيون، الذين شاركوا ندوة الاسلام و حقوق الانسان، على ان الدول العربية والاسلامية تواجه في الظرف الراهن سياقا دوليا مختلفا يلزمها بتفعيل الاعلانات الاسلامية لحقوق الانسان، وترجمتها على أرض الواقع بما يسمح للمواطن العادي ان يستشعر ان الدول العربية والاسلامية تساير تحولات العصر، وتتجاوز الشبهات التي تثار حول الاسلام والمرتبطة بمسألة الجمود، وانتهاك الحقوق السياسية والمدنية للانسان، سيما بعد الحملة التي عرفتها العديد من الدول بعد احداث 11 سبتمبر (أيلول).
وشدد المشاركون على ان الاسلام بما هو عقيدة وشريعة، يتوفر على اسس دولية ولازمة لتحقيق العدل وصيانة حقوق وكرامة الانسان موجودة في القرآن والسنة. والاجتهادات الواردة في هذا الباب ابانت ان الاسلام يتضمن بصورة جامعة اغلب ما جاء في المواثيق الدولية، سواء تعلق الامر بالاعلان العالمي لحقوق الانسان او العهدين الجديدين.
وقال محمد العلمي المشيشي، أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس، ان أهم تحد يواجه الدول الاسلامية في الظرف الراهن هو انه في الوقت الذي اضحت فيه قضية حقوق الانسان موضوع الساعة، فان المنظور الاسلامي لهذه الحقوق طرح بشكل معوج من قبل الغربيين في القرن الماضي، ومن تم حيكت العديد من الشبهات حول هذا المنظور وما زالت، واضاف انه رغم هذا التحريف البين، فان نبرة المنظور الاسلامي لحقوق الانسان تتميز باعتماده مقاربة روحية، دينية، غيرمتوفرة في باقي الاديان السماوية على اعتبار ان جميع المقاربات تمت على اسس لائكية.
وفي تفسيره لمميزات الاعلانات الاسلامية لحقوق الانسان اوضح محمد بن عبد الله الماجد مدير المركز الاسلامي بلندن، ان الخوض في هذه المسألة ما يزال موضوعا بكرا، لأن الفكر الحقوقي في العالم لم ينم بالشكل المطلوب الا خلال العقود الخمسة الاخيرة في حين ان اصدار الاعلانات الاسلامية لحقوق الانسان لم يتحقق ذلك الا في الربع الاخير من القرن الماضي.
وابرز عبد الله الماجد ان اسس التشريع الاسلامي المتمثلة في القرآن والسنة تتضمن احكاما حقوقية يتفق عليها الناس، وانها تقسم الى جانب الحقوق وجانب الواجبات، مشددا في ذات السياق على ان الخصوم الأوروبيين كانوا ينظرون بنوع من الريبة لهذا الموضوع، مبرزين ان القرآن بما انه موجود منذ اربعة عشر قرنا فانه ليس بامكانه ان يساير المتغيرات الدولية.
واضاف الماجد «اننا في اقل من عشرين سنة توفر لدينا اكثر من اعلان اسلامي لحقوق الانسان، لكن الاعلان الابرز، الذي يساير العصر في تحولاته وتناقضاته من مرجعية اسلامية في الروح والجوهر هو اعلان القاهرة سنة 1990».
وشدد الماجد على ان هذا الاعلان جامع مانع ، وانه يقوم على قاعدة واحدة هي «ان جميع الناس سواسية». لكنه نبه الى ان ما يواجه المشتغلين في القطاع الحقوقي الاسلامي هو تفعيل هذا الاعلان ومقارعة حججها مع الاعلانات الاخرى بهدف التوصل الى اجراءات ذات بعد انساني يستحق ان تعمم.
ومن منظور مغاير ذهب الحسان بوقنطار، استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط، الى ان العالم الاسلامي اليوم يتموقع في النظام العالمي الجديد بصورة مشتتة، وانه لا يمتلك تصورا محدودا واستراتيجية منسجمة. وقال إنه رغم كون جميع الدول الاسلامية تندرج في اطارمنظمة المؤتمر الاسلامي لكن المؤكد في العالم الاسلامي هو انه يعرف دينامية سياسية متباينة، وان كان الخصوم يعتبرون ان العالم الاسلامي لا يمتلك تصورا واضحا عن حقوق الانسان.
وفي معرض اجابته عن الكيفية التي تعامل بها الاسلام مع منظومة المواثيق الدولية، اكد بوقنطار ان الاسلام من الناحية الفكرية سبق المواثيق الدولية التي اضحت بدورها تراثا انسانيا، وبما ان مرجعية حقوق الانسان ليس واحدة فإن مصدر الاعتراض الذي يواجه به الاسلام في المنتديات الحقوقية الدولية هو ان اغلب الدول الاسلامية تحفظت على بعض البنود المنظمة في العهدين الجديدين الذين صدرا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا ما خلق نوعا من المواجهة غير المعلنة بين النشطاء الحقوقيين في العالم والاسلام.
وشدد على ان المواثيق الدولية لا تتعارض مع الاعلانات الاسلامية باستثناء المادة السادسة عشرة المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الزواج، والمادة الثامنة عشرة المرتبطة بحرية الاعتقاد.
وخلص بوقنطار قائلا: «نحن بحاجة الى مواثيق اسلامية لحقوق الانسان مثل أوروبا لكننا محتاجون ايضا الى تفعيلها، لانه لا ديمقراطية بدون حقوق الانسان مفعلة على أرض الواقع».
ومن جهته، قال عبد الرحمن بن زيد الزيدي من جامعة الامام مالك بن سعود، ان الاسلام هو دين مثل عليا، وهو دين حركية ومنهج تشريعي ينسجم مع القاعدة الفطرية لبني البشر. وشدد على عالمية الاسلام، مبرزا ان الشبهات التي تثار اليوم حول الاسلام هي شبهات مراودة لأنها ضد المصلحة العامة ورغم انها ترفع من قدر الحرية الشخصية، الا انها تحت وازع الفردانية تقصي الجماعة وهذا الامر لا يقبله الاسلام.