سألت احدى الامهات عن جواز ضرب الاولاد لأجل تربيتهم؟

 واليك يا سيدتي الجواب:

سيدتي الفاضلة، آسف على تأخري في الرد على استفسارك، ولكن للتأخير علاقة بسؤالك نفسه. حملت سؤالك معي أفكر فيه وفي أنسب طريقة للإجابة عليه، فمضمون الإجابة في حد ذاته لم يكن هو المشكلة، ولكن أحببت أن تكون هذه الإجابة مبتكرة مختلفة علَّها بذلك تكون جذَّابة ومقنعة لكل من يقرؤها، ولماذا هذه الاستشارة بالذات؟ لكونها تتعلق بخطأ شائع جدًّا في التربية وأسلوب نكاد نطلق عليه رغم خطورته وسلبيته “بالعادي”.
وكلما استصعب عليَّ أمر أو فكرة أو فكرت في اتباع شيء مختلف يكون أكثر ابتكارًا، اتجهت بتلقائية إلى الإنترنت، وهكذا فعلت هذه المرة…
بحثت تحت كلمة “spanking” بمعنى ضرب أو صفع، وتستخدم في حالة صفع الأبناء (وبصفة خاصة عند الرجل)، فذهلت من عدد المواقع التي تتناول الموضوع، فهناك في الغرب مؤسسات أهلية مساندة لتيار anti-spanking لها أبحاثها التربوية النفسية، وحتى الجنسية المؤيدة لوجهة نظرها، وهناك فريق آخر يرى الضرب، ولكن بحدود، هناك مواقع لرصد الحالات المرضية التي تنتج عن عنف الأهل وتهديدهم لأبنائهم ليل نهار، هناك مواقع لرصد تاريخ تقنين الآباء بالأبناء والمدرسين في مجال العقاب وسبل العقاب البديلة…
لا أخفي عليك القول سيدتي.. قرأت وقرأت وقرأت، دخلت مواقع بداخل مواقع وروابط بداخل أبحاث، وعرضت لآراء بداخل الروابط، حتى تهت بداخل الشبكة العنكبوتية، حاولت الخروج من حيث دخلت فوجدت متاهة أبعد مسافة، استجمعت قوتي وإرادتي، وأغلقت الشاشة برمتها لأستنقذ نفسي من التيه والضلال .
أتدرين سيدتي.. ماذا تذكرت لحظة إغلاق الجهاز، كأنه نداء خفي من بعيد ينادينا: “من لا يَرْحَم لا يُرْحَم.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء”.
نعم الحل كله في كلمة واحدة: “الرحمة”. لو تذكرنا أن رحمتنا يوم القيامة مرهونة فعلاً وحقًّا برحمتنا من حولنا وأولهم أبناؤنا؛ لعطفنا عليهم وكنا أكثر شفقة، وأكثر عونًا وأقل قسوة وأقل تهديدًا لهم، وأنجح في مهمتنا.
سيدتي، عندي رغبة شديدة أن أكلمك من قلبي. أتدرين متى اقتنعت تمامًا بقسوة “الضرب” وهول وقعها على صغارنا؟ عندما شبهت لي إحدى الصديقات ضربنا لهم ببطش ديناصور ضخم الجثة، عملاق يفوق حجمنا 50 مرة بإنسان لا يتعدى حجمه إصبع رجله الصغير.
كيف سيكون شعورك وقتها؟ الهلع، الخوف، الفزع، الاضطراب، ارتباك كل الأعضاء. شعور باختصار يحمل في طياته كل “الألم النفسي” الذي يعبِّر عنه الصغير بالبكاء.. والحمد لله رب العالمين؛ لأن التعبير عن ذلك لم يتعدَّ البكاء، فهناك من تصل حالته إلى التبول اللاإرادي، ومنهم من تسوء حالته فتصل إلى التأتأة والتلعثم… إلخ.
تأكدي سيدتي أنه حينما “يسمع الكلام في النهاية بعد التهديد بالضرب أو العقاب” فما ذلك إلا وسيلة دفاعية ليقي نفسه شر ما ينتظره من العقاب، ولكن هل هذا هو المطلوب؟ للأسف لا، فهو بهذه الطريقة لم يقتنع، بل لم يفهم أصلاً لماذا هذا السلوك أو ذاك مرفوض أو خطأ.
سيدتي – الشديدة قليلاً مع أطفالها (حسب قولك) الحنونة جدًّا والعطوفة إلى أبعد حد إن شاء الله مستقبلاً: الضرب له سلبيات كثيرة وليست له من إيجابية سوى “الرضوخ الفوري لأوامرك”، ولكن في المقابل:
– يقطع الضرب والأسلوب القاسي في المعاملة جسور الود والحب والرحمة بين طرفي العلاقة.
– يفقد الطفل الثقة في أن أمه سوف تفهم رغباته وسوف تتقهم قدراته البسيطة المتواضعة.
– يهدم البنية النفسية للصغير، ويحل الاضطراب وعدم الاستقرار والخوف والفزع مكان الهدوء والاستقرار.
– يفقد الطفل الفرصة في فهم “الخطأ والصواب”، فهو يعاقب لأن “ماما” لا تحب هذا السلوك، ولكن لماذا لا تحبه “ماما”؟ ويبقى السؤال: لماذا يعتبر هذا السلوك شرًّا أو خطأ – بدون إجابة؟
– لا ينتج عن القسوة والعنف سوى العناد، والعناد في هذه الحالة هو التعبير الطبيعي عن رفض الطفل لأوامر الكبار وتعليماتهم.
– سيدتي، بَرِّي ابنك ليبرك. هل تتوقعين ابنًا بارًّا بك رحيمًا بك عندما تبلغين من الكبر عتيًّا؟
الرحمة” تزرع كالفُل، تسقى بماء الحب وتتغذى بماء الأمومة الحانية. أعود وأقول: “من لا يَرْحَم لا يُرْحَم”.
أعرف أن تعديل الأم لسلوكها وطريقة تربيتها التي مارستها على مدى 6 سنوات أمر ليس سهلاً، ولكن إليك بعض الخطوات علها تيسر مسيرتك:
1 – أوقفي فورًا كل أنواع الضرب والعنف والتهديد والقسوة.
2 – لا تستبدلي الصراخ بكل ما سبق، فالصراخ “أضل سبيلاً”.
3 – حاولي أن تتعاملي مع طفلك بتفهم أكبر لرغباته وقدراته وإمكانياته ورغبته الطبيعية (في هذه السن) للاكتشاف والتجريب بما يترتب عليه من تخريب.
4 – اخرجي مع طفلك في نزهات على الأقل مرتين أو ثلاثًا أسبوعيًّا، فبذلك تتاح له فرصة الانطلاق في جو صحي، بعيدا عن أربعة جدران، كل ما بداخلها ممنوع لمسه أو اللعب أو العبث به.
5 – اشرحي له سبب غضبك وعدم رضائك عن كل سلوك لا يرضيك. لا عقاب بدون شرح، بل بدون اقتناع منه بأن ما قام به خطأ.
6 – استبدلي أسلوب الإقناع بأسلوب العقاب.
7 – استبدلي بيدك الصافعة الضاربة ملامح الوجه “الغاضبة”.
أنا لا أمزح، ولكن هناك شرط لنجاح ذلك: ألا وهو وجود علاقة طيبة يسودها الحب والود والرغبة من قبل كل طرف في إسعاد وإرضاء الطرف الآخر. وهذا لا نصل له إلا بالرحمة والتفهم والهدوء في التعامل.
كلنا أمهات عاملات، لكن ما ذنب أبنائنا أننا اخترنا العمل خارج وداخل البيت. اخلعي كل هموم العمل وتوتراته ومشاكله مع خلعك لحذائك ساعة دخولك البيت. كوني أمًّا كاملة مع ابنك أثناء تواجدك معه.
لا تتذكري همومك أو متاعبك أثناء طعامه أو استحمامه، بل تذكري شيئًا واحدًا: الأمومة نعمة قلَّ من عرف كيف يستمتع بها، فكوني من هؤلاء القليلات.